البحث
الإسلام وحقوق الإنسان
عدَّ الإسلام الإنسان قيمة عليا، فهو مخلوق مكرم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾[1].
فإن الناس سواسية في ميزان الله تعالى، أكرمهم إليه أتقاهم؛ كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[2].
الإسلاميحترم الإنسان لتكريم الله تعالى له؛ قبل معرفة دينه ومذهبه...
يقول الأستاذ عبدالحميد محمود طهماز: تمتاز الشريعة الإسلامية بكونها قائمة على أساس العدل المطلق والمساواة التامة بين الناس، فهي شريعة عُلوية ربانية أنزلها الحكيم العليم لإقامة العدل بين الناس، ورفع الظلم عنهم، فلا مجال فيها لأدنى ميل وانحراف عن ميزان العدل كما هو الحال في القوانين الوضعية الخاضعة لأهواء واضعيها ومصالحهم[3].
فالحقوق مضمونة في الشريعة الإسلامية لأبناء المجتمع جميعاً، فلا يُبخس من حق مسلم وغيرمسلم، والأموال والأعراض مصانة لجميع من يسكن في بلاد المسلمين، ومسؤولية الحاكم المسلم أن يحقق العدالة بين الناس، وقد أمرالله سبحانه وتعالى الم-سلمين أن يقوموا بواجبهم خ-يرق-يام بقوله
: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾[4].
وقد حذررسول الإسلام r المسلمين ظلم العباد بعضهم لبعض، فعن أبي هريرة t، أن رسول الله r قال: ((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)) رواه مسلم[5].
فهذا تحذيرووعيد لكل من يأكل مال أخيه الإنسان، أو القصاص عن الظالم ولو ظلمَ شاةٌ لها قرن شاةً لا قرن لها لأقتصَّ الله من الشاة الظالمة!
وليس في شريعة الإسلام المحسوبية، أو حصانة لأحدٍ أبداً، كما هو الحال في المجتمعات الجاهلية بجميع صورها القديمة والحالية، فالإسلام ساوى بين أفراد المجتمع الواحد، فمن الشواهد التطبيقية لمبدأ العدالة: أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله r؟ ومن يجترئ عليه الا أسامة حب رسول الله r؟
فكلم رسول الله r فقال: ((أتشفع في حد من حدود الله)). ثم قام فخطب قال: ((ياأيها الناس إنما ضلَّ من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)) رواه البخاري[6].
يقول الدكتورعارف خليل: وهذا الحكم هو التطبيق الصادق لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الوَالدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾[7].
ومن المؤسف حقاً أننا نسمع ما يشاع في الدول الغربية أن الإسلام دين عنف وإرهاب، وليس في المجتمع الإسلامي حرية للإنسان، بل حقوقه مهضومة وبالأخص حقوق المرأة، وحقوق غيرالمسلمين...
إن وسائل الإعلام الغربية تريد تشويه صورة الإسلام في بلادهم، مع معرفتهم بالحقيقة، فقد أعطوا للمواطن الغربي صورة مشوهة مقلوبة عن الإسلام والمسلمين، ولا نستطيع أنكار أنَّ هناك مِنَ المسلمين مَنْ أساؤا إلى الإسلام إما بسلوكه المنحرف وهو يعيش في الغرب أو شرحه السقيم للإسلام، وهو لا يعرف عن تعاليم الدين الإسلامي الأ بعض الممارسات الشرعية، كبعض العبادات من صوم وصلاة وقد حفظها وهو صغير... إن الإنسان كما سبق ذكره قيمة عُليا، ولو كان غيرمسلم، فهذا نبي الإسلاميأمرالمسلم أن يقوم لجنازة يهودي، فعن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمرواعليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما إنهما من أهل الأرض: أي من أهل الذمة فقالا: إن النبي r مرت به جنازة فقام، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال: ((اليست نفساً)) [8].
جاء الإسلام وأمامه نظام جاهلي (نظام الرق) الذي ينتقص من كرامة الإنسان، فعالج هذه الظاهرة الشاذّة التي تخالف الفطرة السليمة وتعاليم هذا الدين الجديد بالتدرج، كما هو الحال في قضايا كثيرة، مثل تحريم الخمر حيث نزلت الآيات تحثُّ المسلم على عتق الرقاب: أي العبيد لما فيه من الأجرالعظيم عند الله سبحانه وتعالى، وجعل من أموال الزكاة سهماً لعتق الرقاب قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[9].
وجعله كفارة يمينه، كما قال تعالى : ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[10].
وجعل كفارة من ضرب العبد عتقه، فعن عبدالله بن عمرt وقد أعتق مملوكاً قال: فأخذ من الأرض عوداً أو شيئاً فقال: ما فيه من الإجرما يسوى هذا، الا أني سمعت رسول الله r يقول: ((من لَطَمَ مملوكه أو ضَربهُ فكفّارتُه أنْ يعتقه)) رواه مسلم[11].
وعن أبي مسعود الأنصاري قال: كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي صوتا: ((اعلم أبا مسعود لله أقدرعليك منك عليه))، فالتفت فإذا هو رسول الله r، فقلت: يا رسول الله هو حرلوجه الله، فقال: ((أما لولم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار)) رواه مسلم[12].
يقول الإمام النووي: فيه الحث على الرفق بالمملوك والوعظ والتنبيه على إستعمال العفو، وكظم الغيظ، والحكم كما يحكم الله على عباده[13].
والإسلام هو المنهج الوحيد الذي يتحررفيه الإنسان من العبودية للإنسان، ففي كل منهج غير المنهج الإسلامي يتخذ الناس أرباباً من دون الله، ويعبد الناسُ الناسَ، وفي النهج الإسلامي وحده يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وحده لا شريك له[14].
إن من المؤسف حقاً، أن الكثيرين من فتحوا أعينهم على ما في الغرب من الثقافة الزائفة فظنوها نوراً، فإذا هي نارٌ تدمركلَّ شيءٍ تجدها أمامها...
ومن أروع الكلمات للشهيد سيد قطب رحمه الله: إن بريق الحضارة المادية لا يجوز أن يعشى أبصارنا عن حقيقة الشقاء الذي باتت تعانيه البشرية في ظل هذه الحضارة، إن الصواريخ المطلقة، والأقمار الصاعدة، لا يجوز أن تلهينا عن الدرك الذي ينحدر إليه ((الإنسان)) ومقومات ((الإنسان)).
إن الإنسان هو أكرم ما في هذه الأرض، إنه هو الكائن الأساسي فيها، والمستخلف في مقدراتها، وكل شيء فيها في خدمته – أو ينبغي أن يكون كذلك – و((إنسانيته)) هي المقوم الأعلى الذي يقاس به مدى صعوده أو هبوطه، وسعادة روحه هي مقياس ما في الحضارة التي يعيش فيها من ملاءمة لطبيعته أو مصادمة[15].
أين الغرب من كلام رسول الإنسانية: ((إن النارلا يعذب بها الأ الله)) [16].
أين دعاة الديمقراطية التي أحرقت وشوهت أجساد اليابانيين بالقنابل النووية، وأجساد أطفال ونساء العراقيين بالقنابل العنقودية، أين هم من رسالة رسول الإنسانية محمد r؟
وستجد في الكتاب الذي بين يديك الجوانب الإنسانية التي كانت سبباً لهداية الكثيرين إلى الدين الإسلامي...
[1] سورة الإسراء الآية70
[2] سورة الحجرات الآية 13
[3] الإنسان في نظر الإسلام، تاليف عبدالحميد محمود طهماز، دار الشامية – بيروت / ط1 1425ه- - 2004م ص 63
[4] سورة النساء الآية 58
[5] صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي – دار التراث العربي – بيروت، كتاب البر والصلة والآداب باب تحريم الظلم 4/1997(2582)
[6] صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي – دار بن كثير – اليمامة - بيروت – تحقيق د. مصطفى ديب البغا ط3/ 1987م 6/2491 (6406)
[7] سورة النساء الآية 135.. القران شريعة المجتمع، د. عارف خليل محمد، دار الأرقم – الكويت ط 1 1405ه- - 1984م ص 42
[8] المصدر نفسه كتاب الجنائز باب من قام لجنازة يهودي 1/441 (1250)
[9] سورة التوبة الآية 60
[10] سورة المائدة الآية 89
[11] في كتاب الإيمان باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده 3/3/1278 (29)
[12] في كتاب الإيمان باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده 3/1280 (1659)
[13] شرح النووي على صحيح مسلم 11/130
[14] القران شريعة المجتمع، الدكتور عارف خليل محمد – دار الأرقم ط1 /1405ه- - 1984م ص 36
[15] المستقبل لهذا الدين، سيد قطب – دار الشروق ط بلا ص 64
[16] رواه البخاري 4/74 (3016)