1. المقالات
  2. لماذا اعتنقنا الإسلام دينا؟ _ سفر أحمد الحمداني
  3. موقف الكنيسة من العلم

موقف الكنيسة من العلم

الكاتب : سفر أحمد الحمداني

وبِما أن الديانة الإسلامية قد نَسَخَتِ النصرانية، فلابد لكل نصراني أن يؤمن بالإسلام... ولكن الكنيسة وقفت أمامه موقف الرافض، فكانت الإنتكاسة الواضحة لها عندما اصطدمت بالنهضة العلمية في أوربا التي يؤمن بها المسلم...

ولكي يقف كل منصف على الحقيقة، عليه أن يقارن بين موقف الديانتين من العلم في هذه الصفحات، ويعطي رأيه بأمانة...

لقد عاشت أوربا طيلة القرون المنصرمة في ظلام دامس، من إنتشارالجهل والفقروالمرض، جاء في التاريخ العام للأفيس ورامبو ما يلي: كانت إنكلترا الإنجلوسكونية في القرن السابع الميلادي إلى ما بعد القرن العاشر فقيرة في أرضها، منقطعة الصلات بغيربلادها، تبني البيوت بحجر غير منحوت، وتشييدها من تراب مدقوق، مساكن ضيقة غيرمحكمة الإغلاق، واصطبلات وحظائرلا نوافذ لها، تقرض الأمراض والأوبئة المتكررة المواشي والسائمة وهي المورد الوحيد في البلاد، ولم يكن الناس أحسن مسكناً وأمناً من الحيوانات، وكانت البيوت في باريس ولندن تبنى من الخشب والطين المعجون وبالقش والقصب.

هكذا كان الغرب في القرون الوسطى حتى القرن الحادي عشرفما بعده، باعتراف مؤرخيهم[1].

ومع هذه القساوة من الحياة، كانت الكنيسة هي المهيمنة لحياة الناس. يقول الدكتور يوسف القرضاوي: إن تاريخ الكنيسة تاريخٌ مخوِّف، فقد وقفت مع الجهلِ ضدَّ العلم، ومع الخرافة ضد الفِّكر، ومع الإستبداد ضدَّ الحرِّية، ومع الملوك والإقطاعيين ضد الشعب، حتى ثارت الجماهير عليها وتحرروا من الحكم المباشر لرجالها، واعتبروا عزل الدين عن الدولة كسباً للشعوب ضد جلاديها. تاريخ الكنيسة في ذهن الإنسان الغربي المسيحي، يعني الإضهاد والقتل ومحاكم التفتيش، والمذابح المستمرة. يقول الأستاذ ((امري ريفر))، حيث يحلل أسباب فشل المسيحية في كتابه ((تحليل السلام)) فيقول: إن القتل الواسع النطاق، والتعذيب والإطهاد والضغوط التي شهدناها في منتصف القرن العشرين، لأدلة قاطعة على الإفلاس الكامل للمسيحية، كوسيلة لترويض الإنفعالات الإنسانية الغريزية ولتحويل الإنسان، من حيوان، إلى مخلوق إجتماعي معقول..

لقد قتل الملايين من الأبرياء دون أن تهتزشعرة في جسم من قتلوهم، كما نهب عشرات الملايين من البشروجرِّدوا مما يملكون، ونفواعن بلادهم واستبعدوا...

إن المسيحية كدينٍ منظم، تحولت شيئاً فشيئاً إلى منظمةٍ ذات سلطةٍ رئاسيةٍ مطلقة، وقد أدى هذا إلى التفرق، وبذلك انحدر القانون الواحد العالمي، إلى ديكتاتورية من ناحية، والى انتشارالفرق والمذاهب على أوسع نطاق من ناحية أخرى، فانقسمت الكنائس المسيحية فيما بينها إلى عدد جديد من

الفرق المذهبية[2] ، ثم جاء دورحركة إحياء العلوم التي نشطت منذ القرن الثالث عشر وحتى الخامس عشر، وفي القرن السادس عشرقامت نهضة في علم الطبيعة والفيزياء ومن روادها (بريسلي، لافوزيه، دايفي، فراداي) وفي الرياضيات (السيرإسحاق نيوتن) وفي علم التشريح: (الفسيولوجيا) بعد أن استطاع علماء هذا العصر، أن يتخلصوا من كل أثقال وأعباء الكنيسة[3].

وعندما دخلت أوربا القرن السادس عشر، وهو مستهل العصورالحديثة ظهرت الدعوة إلى الإصلاح بشكل عنيف، فقد ظهر في المانيا (مارتن لوثر) [4]  الذي ثارعلى كنيسة روما في العصورالحديثة، وهو أبرزمن حمل راية العصيان بوجه البابا، وكانت فلسفة لوثر في الإصلاح تقوم على أن الإيمان يأتي في المقام الأول.

أما الأعمال فلا جدوى منها، فالحج والإحتفالات الدينية وإيقاد الشموع وعبادات مخالفة للدين؛ هي في رأي لوثر عقبات في طريق الخلاص، فالغفران هو الثواب بالإيمان.

لم تشعر الكنيسة بخطر هذه الأفكار الا حين تصدى لوثر سنة 1517 م لراهبٍ أرسله البابوية إلى المانيا لبيع صكوك الغفران، حيث كان بحاجة إلى الأموال لصرفها في إصلاح كنيسة القديس بطرس[5].

إنَّ سببَ فشل الكنيسة؛ أنها لم تأخد دورها الريادي ولم ترحب بالعلم، بل حاربته بكل ما أوتيت من قوة، واستغلتِ السذَّج من الناس، وأخذت ما لديها من الأموال لشراء صكوك الغفران.

والسبب الرئيسي، لأن هذه العلوم تتعارض مع تعاليم الأناجيل، بخلاف ما عليه علماء المسلمين الذين يعتبرون التقدم العلمي، في كافة مناحيه من أساسيات هذا الدين، وقد دعا القران الكريم اليه، والآيات القرانية قد تحدثت بصراحة تامة عن حقائق علمية، وجاء العلم الحديث مؤكداً لهذه

الحقائق، فالقران الكريم قد سبق كوستو الذي اكتشف: إن مياه البحار والمحيطات ذوات التراكيب المختلفة، لا تختلط أبداً، وذلك بفعل حاجزمائي يمنع امتزاجهما : إذا اردت أن تعرف أنت ومن سبقك من زملائك الالمان وتكشف هذه الحقيقة، فما عليك الا أن تراجع كتاب المسلمين المقدس (القران) الذي قصَّ علينا هذا النبأ قبل الف وأربعمائة سنة!! والله تعالى قد وجه أنظار العرب أن يكتشفوا مجاهيل السماوات والأرض، قال تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾[6].

وبالتأكيد أن الآية لاتعني فقط علوم الشريعة فقط، بل هي عامة، وبيَّن القران الكريم منزلة العلماء في هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾[7] ،  وعدَّهم أكثر الناس خشيةً من الله تعالى، وكان لزاماً على الشعوب الأوربية الخروج على الكنيسة، وكان في مقدمتهم مارثن لوثر، وقد سبق ذكره، وهكذا انفصلت الكنيسة عن حياة الناس..

 

 

 




[1] إجابات حاسمة إلى الأخت الفرنسية المسلمة، د. عبدالودود شلبي – مؤسسة الخليج العربي – القاهرة ط1/ 1407ه- - 1987م ص83

[2] وجهاً لوجه الإسلام والعلمانية، رد علمي على د. فؤاد زكريا وجماعة العلمانيين، تاليف: الدكتور يوسف القرضاوي، دار الصحوة – القاهرة ط1/ 1408ه- - 1987م ص 57-59

[3] أخطارالغزو الفكري على العالم الإسلامي، تاليف الدكتور صابر عبدالرحمن طعيمة، عالم الكتب – الرياض ط1/1404ه- -1984م ص 13

[4] ولد مارثن لوثر فب مقاطعة سكسونيا الأمانية سنة 1483م، وتفرغ في دير القديس أغسطنيوس مدة ثلاث سنوات للزهد والتأمل والعبادة. ثم ثم حصل على شهادة الدكتوراه في علم اللاهوت، ثم على كرسي الإستناذية في جامعة فتنبرغ Wittenburg حيث درس الفلسفة واللاهوت، وهو ينتمي إلى الكنيسة البروتستانتية، التي تؤمن بالعهد القديم. تاريخ أوربا الحديث، عصر النهضة – الثورة الفرنسية القرون 16 – 18، من سنة 1453م – 1789م، الدكتور محمد مظفر الأدهمي، جامعة المستنصرية – كلية التربية ص 50

[5] المصدر نفسة ص 50- 51

[6] سورة يونس الآية 10

[7] سورة فاطر الآية 28

المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day