البحث
السنّة النبوية والعلم الحديث
أولاً: ولوغ الكلب والعلم الحديث
روى مسلم في صحيحه عن عن أبي هريرةt قال: قال رسول الله r:
((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)) رواه مسلم[1].
قال أهل اللغة: يقال ولغَ الكلبُ فى الإناء:إذا شرب بطرف لسانه قال أبو زيد يقال:ولغ الكلب بشرابنا وفى شرابنا ومن شرابنا وفيه الأمرباراقته[2].
ولا شكَّ أنَّ في هذا الأمر النبوي حكمة بالغة، ولكنها كانت خافيةً علينا إكتشفها العلم الحديث، فقد نقل لنا الأستاذ عبدالرزاق نوفل في كتابه القيم السنة والعلم الحديث مايلي: ومن ضمن صوروقاية الأواني والإهتمام بنظافتها حديث ولوغ الكلب، وغسل الإناء بالتراب، فأما التراب فهو أقرب المواد المنظفة للإنسان وأيسرها، وهي بلا مقابل، وذلك حتى لا يتأخر أي إنسانٍ في غسل إنائه إذا ولغ فيه الكلب إنتظاراً لتوافر المنظف أو ما شابهه، ولا شك أن العلم الحديث قد أوضح أن لعاب الكلب يحمل من الميكروبات والجراثيم الكميات الكبيرة لا يخطرعلى بال، ولعلّ ذلك يرجع إلى دوام شمِّ الكلب لكلِّ ما على الأرض، وبما تحمله من جراثيم خصوصاً القمامة والفضلات بأشكالها.. وأيضاٍ لدوام فتح فمه...
فهو لايغلقه أبداً، مما يعرضه أكثر الميكروبات، أما أخطرمن ذلك، فهو مرضُ الكلب الذي ينقله الكلب للإنسان، وهو من أخطرالأمراض وأخطرها فتكاً بمن تصيبه، ولا ينتقل مرض الكلب بالعضِّ فقط، كما كان يُظنُّ، بل ان ميكروبه في لعابه، فقد ينقله للإنسان عن طريق إفرازه اللعابي فقط دون العض، ولذلك فإن الوقاية من هذا المرض وغيره من الأمراض التي تنتقل عن لعاب الكلب هو بغسل كل ما يلْقَهُ الكلب، أو يتقرب فمه لعابه غسلاً جيداً، ولهذا لا يتأتى الا بتكرارالغسل واستعمال مطهرأرخص وأكثرتوافراً هو التراب وذلك علاوة على أن البحث العلمي قد أثبت أن التراب له خاصية التغلب على ميكروب الكلب وهكذا يسبق الحديث وكل ما وصل إليه العلم في آخرأربعة عشرقرناً من الزمان[3].
فمن الذي أخبر رسول الله r بهذه الحقيقة التي أثبتها الطب متأخراً؟ اليس الأمر وحيٌ من الله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ الا وَحْيٌ يُوحَى﴾[4].
ثانياً: حديث الذباب والطب الحديث
إن مما لا شك فيه، أن كثيراً من علماء الغرب يعتبرون الذباب ناقلاً للأمراض، وليس لديهم جواب آخر، ولكنَّ المسلم قد سبق علماء الغرب، وعلم كيف يعالج سُمٌّ الذباب، عن طريق نبيه الكريم r.
فعن أبي هريرة t عن رسول الله r قال: ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء، وفي الآخر داء)) رواه البخاري[5].
أما من الناحيه العلمية فلنا صولة وجولةً مع اقوال اهل العلمِ قديماً وحديثاً.
قال أفلاطون: الذباب أحرص الأشياء، حتى أنه يلقى نفسه في كل شيءٍ، ولو كان فيه هلاكهُ، ويتولد منه العفونة، ولا جف-ن للذباب-ة لصغرحدقتها، والجفن يصقل الحدقة، فالذبابة تصقل بيديها، فلا تزال تمسح عينيها، ومن عجيب أمره أن رجيعه يقع على الثوب الأسود أبيض وبالعكس، وأكثرما يظهرفي أماكن العفونة، ومبدأ خلقه منها[6].
ويقول ابن قتيبة الدينوري رحمه الله في هذا الحديث، وبعد: فلم ينكرمن أن يكون في الذباب سمٌّ وشفاء؛ إذا نحن تركنا طريق الديانة؛ ورجعنا إلى الفلسفة، وهل الذباب في ذلك الا بمنزلة الحية؟ فإن الأطباء يذكرون إن لحمها شفاءٌ من سمها، إذا عمل منه الترياق الاكبر، ونافع من لدغ العقارب وعظ الكلاب الكلبة[7] والحمى والربع[8] والفالج[9] واللقوة[10] ، والإرتعاش والصَّرع، وحكوا عن صاحب المنطق أنَّ قوماً من الأُمم كانوا يأكلون الذُّباب فلا يرمدون. وقالوا في الذباب: إذا شدخ ووضح على موضع لسعة العقرب سكن الوجع[11].
هذا كلام عمره اكثرمن احدى عشرقرناً من الزمان: تحدث به الدينوري رحمه الله: ونحن نعيش اليوم في عصرالتكنلوجيا والتقدم العلمي الذي أعطى أهميةً كبيرةً لدراسة القران الكريم والسنة النبوية، اذ وجدنا فيها من الأدلة الجديدة لكثيرمن الحقائق العلمية التي لاتقبل الشك، ومنها هذا الحديث العظيم الذي جاء مطابقاً لاكتشافات الأطباء، وهم غير مسلمين. ذكرالأستاذ عبد النعم صالح العلي العزي: جاء في المراجع العلمية ان الأُستاذ الالماني بريفلد من جامعة هال بالمانيا وجد في عام 1871م ان الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس الفطريات سماها(امبوزاموسكي) ويقضي هذا الفطرحياته في الطبقة الدهنية داخل بطن الذبابة على شكل خلايا خميرة مستديرة ثم يستطيل ويخرج على نطاق البطن بواسطة الفتحات التنفسية أو بين المفاصل، وفي هذه الحالة يصبح خارج جسم الذبابة وهذا الشكل يمثل الدور التناسلي لهذا الفطر، وتنجمع بذورالفطرفي داخل الخليه إلى قوةٍ معينةٍ تُمكِّنُ الخلية من الإنفجار واطلاق البذورخارجها وهذا سيكون بقوة دفع شديدة له درجة تطلق البذورالى مسافة حوالي (2سم) من الخلية بواسطة انفجارالخلية واندفاع السائل على هيئة رشاش.
وذكرالاستاذ لآيجرون أكبرالأساتذة في علم الفطريات في عام 1945م : ان هذه الفطريات كما ذكرنا تعيش في شكل خميرة مستديرة داخل انسجة الذبابة، وهي تفرز انزيمات قوية تحلِّلُ وتذوِّبُ البكتريا الحاملة للمرض،وبذلك يحقق العلماء بأبحاثهم تفسيرالحديث النبوي الذي يؤكد ضرورة غمس الذبابة كلها في السائل، أو الغذاء اذا وقعت عليه لإفساد اثر الجراثيم المرضية التي نقلتها بأرجلها او ببرازها.
وكذلك يؤكد الحقيقة التي اشاراليها الحديث، وهي ان في احدى جناحيها داء، أي في احد اجزاء جسمها الامراض المنقولة بالجراثيم التي حملتها، وفي الآخرشفاء، وهوالمواد المضادة للحيوية التي تفرزها الفطريات الموجودة على بطنها، والتي تخرج وتنطلق بوجود سائل حول الخلايا المستطيلة للفطريات[12].
ويقول العلامة الفقيه الطبيب ابن قيم الجوزية: واعلم أن في الذباب عندهم قوة سمية يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه، وهي بمنزلة السلاح، فإذا سقط فيما يؤذيه اتقاه بسلاحه، فأمر النبي r أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله سبحانه في جناحه الآخرمن الشفاء، فيغمس كله في الماء والطعام، فيقابل المادة السمية المادة النافعة، فيزول ضررها، وهذا طب لا يهتدي إليه كبارالأطباء وأئمتهم، بل هو خارج من مشكاة النبوة، ومع هذا فالطبيب العالم العارف الموفق يخضع لهذا العلاج، ويقر لمن جاء به بأنه أكمل الخلق على الإط-لاق، وأنه مؤيد بوحي الهي خارج عن القوى البشرية، وقد ذكرغيرواحد من الأطباء؛ أنَّ لسع الزنبوروالعقرب إذا دلك موضعه بالذباب نفع منه نفعاً بيناً وسكَّنه، وما ذاك الا للم-ادة التي فيه من الشِّ-فاء، وإذا دلك به الورم الذي يخرج في شعرالعين المسمى شعرة بعد قطع رؤوس الذباب أبرأه[13].
وبعد إتمام هذا الكتاب، ولا زال الكتاب في الحاسوب، كنت أتحاور مع فضيلة الشيخ خليل ندا الكبيسي عن خلق الذباب، فإذا به يفاجئني بمعلومات جديدة عن خلق الذباب، برسالة لطيفة الفها الدكتور أحمد عدنان الجبوري الأخصائي في جراحة الدِّماغ والأعصاب، يقول في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالبُ وَالمَطْلُوبُ﴾[14].
يقول: وإنَّه لتحدٍّ عظيم من لدنه عزَّ وجل!!
فكأنَّه يقول لهم، قلْ هاتوا علماءكم فليجتمعوا ليخلقوا ذبابةً ولو واحدة..
فإنَّ ذلك معجزُهم لا محالة، وإنَّ بينهم وبين تحقيقه بوناً شاسعاً، لا يقدرون عليه مهما أوتوا من علم وحيلة..
وقد أجمعتِ العلماءُ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، وحاولو خلق الذبابة دون أنْ يعلموا بهذا التحدي، فكان أول أمرهم، معرفة كيفية خلق الذبابة: أي كيف تستحيل البيضةُ بعد تسعة أيامٍ من تلقيحها إلى ذبابةٍ طنّانة طيّارة، بعد أن كانت بيضةً هامدةً جامدة؟!
فإنَّهم إنْ عرفوا ذلك فباستطاعتهم محاكاته، فيصنعوا بيضةً ثم يخلقوا منها ذبابة تماماً كما يفعل خالق الذباب وخالقهم!!
وهنا أنا أُخبركم بخبر هؤلاء العلماء، وهم يدرسون خلق الذبابة وقد أعياهم الدَّرسُ، وطالت بهم السنون، ولما يحيطوا ببعض تفاصيل الخلق علماً..
كانت البداية من بيضة الذبابة، فدرسوا شكلها ومكوناتها فتراءتْ لهم بيضة لا تشبه ما نالفه من البيض، فهي مستطيلة غير مدحاةٍ، أشبه بثمرة البقل، منها بقية البيض، وفي إحدى طرفيها نتوءٌ يعرفُ به مقدِّمتها من المؤخرة، وهي محاطةٌ بقشرة قوية لكنَّها رقيقة، تحفضُها مما يُحيطُ بها من المخاطر. وفي وسطها نواةٌ واحدةٌ تحملُ نِصفَ عدد الجينات (المادة الوراثية) التي تحملُها الذُّبابة.
وكان أول ما فعلوه، أنَّهم أزالوا القشرة، فوجدوا فيها أمراً غريباً لم يفقهوه في بادئ الأمر، لكنّهم عندما تابعوا الدَّرس والبحث، علموا حكمة وجوده وسببه. ذلك الأمرُ هو وجود جزيئات ذات شكلٍ خاص تنتشر بمنطقةٍ محدودةٍ من القشرة، وتختفي من سواها، فتخبر بذلك البيضة، إنَّ هاهنا المقدِّمةُ، فيجب أن يخلق الرأس، وإنّ هناك وسط البيضة فتكون البطن والصَّدر، وإن هذه المؤخرة فتتكون الأطرافُ، ولولا هذه الجُزئيات لاضطرب وضع الأعضاء، ولما خلقتِ الذّبابة، وإنَّ مثلها كمثل رجلٍ ركب البحر، فما عاد يعرفُ مكانه لولا اهتدى بالنجوم، فعلم شماله من جنوبه، أو شرقه من غربه.. أمرٌ عجيب!!؟
جزيئات توضعُ في مكانٍ دقيق محدود تحسُّباً لأمرٍ سيحدثُ في المستقبل القريب، وهو اهتداء الخلايا في داخل البيضة، فتعلم أنّها: أي الخلايا في المقدّمة، فتستحيل إلى الرأس، أو في الوسط، أو في المؤخرة، فتستحيل إلى صدرٍ أو بطنٍ، وسنأتي إلى تقصّي ذلك فيما بعد..
ثم يواصل الدكتور حديثة الشَّيق والعجيب إذ يقول: إنَّ البيضة فيها نصفُ العدد من الجينات التي في الذبابة الناضجة، لكن ما ان يدخل الحيوان المنوي الذي يحمل هو الآخر نصفَ العدد من الجينات، حتى يكتمل عدد المادة الوراثية، وتتكون بذلك نواةٌ واحدةٌ هي أمشاج من نواةِ الذّكر (الحيمن) والأُنثى (البيضة).. ثم يأخذ هذه النواة بالإنقسام، فتكوِّنُ من نفسها نوى عديدة، حتى إذا ما تراكمت هذه (النوى) عن الإنقسام بعد بضع عشرة مرة؟!
كما أننا لا نعلمُ ما الذي يدفعُ هذه (النوى) إلى الهجرة من الوسط إلى المحيط؟! لكن نعلم أنّه لولا هاتين العمليتين، لما خلقتِ الذّبابة..
فلو أنّ (النوى) استمرت بالتكاثر، لتزاحمت وتدافعت في البيضة، ولتحولت عند ذلك البيضة إلى كيس من (النوى) بدلاً من الذّبابة بأجنحةٍ وصدرٍ وبطنٍ وأرجل.
ولو أنَّ (النوى) لم تهاجر إلى محيطِ البيضة، وعملت كل نواة مكانها من البيضة، لما خلقتِ الذبابة، ثمّ أن هناك أمراً آخر جديرٌ بالذّكر، وهو أنَّ (النوى) لا يجوز لها أن تترك وسط البيضة وتستقر في المحيط حسب، حسب قانون انتشار(النوى) في البيضة لولا أنَّ هناك قوة غيبية ساقت هذه (النوى) وهَدَتها إلى مكانها المناسب، تمهيداً لما سيأتي بعد ذلك..
ثمّ تنشأ أغشية من داخل قشرة البيضة، فتعزل النوى بعضها عن بعضٍ، فتتكون خلايا كاملة (لا نوى فقط) متراصة تحت قشرةِ البيضة، وهذه العملية هي في غاية الدِّقّة والإتقان!!
فلو أنَّ الأغشية عزلتِ النوى، حال وصولها تحتَ القشرةِ، لَما تسنّى لهذه (النوى) التعرّض لمدّةٍ كافيةٍ للجزيئات الدّالة، وبالتّالي تضلُّ مكانها ومصيرها النهائي (رأس، بطن، صدر).
ولو أنَّ هذه الأغشية تأخرت عن موعدها، لتساوت تراكيز الجزيئات الدّالة، أو لاختفت هذه الجزيئات، ولضلّتِ (النوى) مكانها كذلك.
هكذا أصبحتِ البيضةُ بعد تسع ساعاتٍ من الإختصاب عبارة عن قشرة وطبقة واحدة من الخلايا تحت هذه القشرة.
وعند ذلك تكون البيضةُ قد تحولت إلى مرحلةٍ أُخرى من الخلق وهي اليرقة، وفيها تتجلّى الهداية الرّبانية، وروعة الخلق بأبهى صورها، حيث تظهر العشرات من الجزيئات الدالة بتراكيز محددةٍ في مختلف مناطق اليرقة، فتعلم الخلايا من هذه الجزئيات مكانها من اليرقة، وبالتالي ما ستصيرُ إليه من جسم الذبابة..
فمثلاً هناك جزئياتٌ يسمونها (hecabak) تتركز في المقدِّمة عند النّفق، ثمّ تختفي تدريجياً في المؤخِّرة..
وعلى العكس من ذلك موقف جزئيات (nanos)، حيث يكثر وجودها في مؤخرة البيضة، ثم تختفي تدريجياً في المقدمة..
أما جزئياتُ (ganet)، فتتكون بشرطين، أحدهما في المقدمة، والآخر في المؤخرة..
وجزيئات (curel)، تتكون على شكل شريطٍ في وسط اليرقة، وهكذا عشرات أُخر من الجزئيات تنتشرُ هنا وهناك بشكل دقيق في كلِّ أنحاء اليرقة، لتستهدي بها الخلايا، فتستحيل إلى أعضاءٍ تناسب مكانها..
ونعود ونقول: هي تماماً كعلاماتِ الطُّرق أو كالنجومِ يستهدي بها المسافرُ حتى يصل إلى غايته المنشودة..
ولا تنتشر في هذه اليرقة وتختفي من بطينها مثل جزيئات ((dorzal، وبذلكتكون هناك علامت على طول البيضة وعرضها: أي علامات ثلاثية الأبعاد، حتى يأتيَ الخلقُ دقيقاً محكماً، فيكون كلّ عضوٍ في مكانه المناسب من جسم الذبابة، بعد أنْ تستهدي خلايا الجنين بهذه الجزئيات، وتأخد بالتكاثر والتَّشكيل، فيحدثُ انبعاجٌ هنا وهناك، فيتحوّل الجنين إلى مرحلة أُخرى من الخلق، وهي مرحلة الخادرة (pupa)، وهي أشبه ما تكون بمرحلة المُضغة من جنين ا؟لإنسان، فإنَّ فيها تخصّرات في مناطق، وانتفاخات في أُخرى، مكونة بذلك مقاطع عديدة، وهي لا تشبه الذبابة بأي شكل من الأشكال..
ثم تبقى هذه الخادرة ثلاثة أيامٍ يزداد فيها حجمها، فتتميّز مقاطعها بشل واضح.
ثم بعد انقضاء هذه الأيام الثلاثة، تأتي المرحلة الأخيرة من الخلق، والتي تنتهي بخلق الذبابة، هذه المرحلة تسمى بمرحلة التّحول (metabophosis)، أو مرحلة الإنقلاب، وفي هذه المرحلة تحيط الخادرة نفسها بقشرة سميكة، ثم تموت بداخلها!!
نعم تموت الأ من تجمعات صغيرة من الخلايا هنا وهناك، مبعثرة في أشلاء الخادرة تسمى (الأقراص)..
أما بقية المخلوق، فالى موتٍ ورفاتٍ وأنقاض..
أمّا هذه التّجمعات الخلوية (الأقراص)، فإنَّ كلَّ واحدٍ منهما سيكون جزءاً من جسم الذبابة النّاضجة، فأحدُ هذه الأقراص يستحيل إلى عيونٍ، والآخر إلى أجنحةٍ، والآخر إلى صدرٍ أو بطن، وهكذا تتحوّ!ل كلُّ هذه الأقراص إلى عضوٍ كامل، عند ذلك يتَفتَّقُ الغشاءُ، فتخرجُ ذبابة تامة الخلق طيارة طنانة..
إنّها معجزة بكلِّ ما تحتويه هذه الكلمة من معانٍ ودِلالات!!
ولولا أنَّها تحدثُ أمامنا ونشاهدها لأنكرناها لا محالة..
وأنَّها بحقّ لمثال للموتِ والنُّشور!!
فهذه اليرقةُ مفعمةٌ بالحياةِ ولا همَّ لها الأ التّعدي والزيادة في الحجم، ثم فجأة تحيط نفسها بغلافٍ سميكٍ وكأنّه القبر، ثم تموت بداخله، الأ من بذور منها، فتُبعثُ الذّبابة من هذه البذور!!
وهي لا تشبه لا من قريب ولا من بعيد اليرقة التي جاءت منها.
ونحن من كلِّ هذه المجريات لا نعلم لماذا ماتتِ اليرقة، ولا كيف خلقت قد الذبابة من هذه التجمعات، ولكن رغم ذلك فإن معلوماتنا من خلق سائر الأحياء، حتى قال أحدهم: إننا عندما نتدارس خلق الذبابة، فإن بقية علماء الحياة يحسدوننا على ما نعرفه من خلق الذبابة: أي يحسدونهم لا على علم تام بخلق الذبابة، لكن على رفاة من العلم، يخفي ورآءه أسالة كثيرة عن خلق هذا الكائن الضعيف!!.
إنّك لو عدت إلى الآية الكريمة آنفة الذكر لوجدت أن فيها من التكريم للعلماء من البشر ما هو أكثر من تحديهم، فهم عاجزون عن فهم خلق الذبابة، خلق خلقها!! فإنّه جلَّ شأنه قد رفع من مكانتهم حين تحداهم بالخلق، في حين هم عاجزون عن إدراك أو فهم الية الخلق[15].
والإنسان مهما بذل من جهد لمعرفة، أو إدراك الالية حقيقة الخلق بمراحلها في جميع أو بعض خلقه ومنها خلق الذبابة لبقي عاجزاً حائراً، وكأنه يقول للإنسان المغرورالذي يظنُّ أنّه قد وصل منتهى العلم، أو اكتشف بعض الحقائق العلمية، أنَّك عاجز عن معرفة خلق الذبابة!!
ولا تنسى نفسك التي بين جنبيك، و القران الكريم قد أعطاك مراحل خلق الإنسان، والعلم الحديث قد توصل إلى معرفة هذه الحقيقة القرآنية بعد قرون عديدة، ولكن سيبقى الإنساننُ عاجزاً عن إسرارٍ كثيرة من خلقه، كما قال تعالى: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾[16].
وقبل سنوات عديدة شاهدت في إحدى القنوات الفضائية السورية أطباء يعالجون الجروح بوضع يرقات الذباب على الجروح، فتبرأ بإذن الله.
وللمزيد راجع كتابي أبو هريرة وال البيت والمفاجآت الكبرى[17] ، فقد فصلت الموضوع تفصيلاً كاملاً من الناحية العلمية والفقهية والعرفية.
[1] في كتاب الطهارة باب حكم ولوغ الكلب 1/234
[2] شرح النووي على مسلم 3 / 184
[3] السنة والعلم الحديث، عبدالرزاق نوفل ص 76
[4] سورة النجم الآية 3
[5] في كتاب الطب با ب إذا وقع الذباب في الإناء 5/2180
[6] الفتح 10 / 250
[7] سُعارٌ وداءٌ شِبْهُ الجُنون، وقيل: الكَلَبُ جُنُونُ الكِلابِ. وفي الصحاح: الكَلَبُ شبيهٌ بالجُنُونِ.الكَلِبُ الذي يَكْلَبُ في أَكْلِ لُحومِ الناس فيَأْخُذُه شِبْهُ جُنُونٍ، فإِذا عَقَر إِنساناً كَلِبَ المَعْقُورُ، وأَصابه داءُ الكَلَبِ، يَعْوِي عُوَاءَ الكَلْبِ، ويُمَزِّقُ ثيابَه عن نفسه ويَعْقِرُ من أَصاب، ثم يصير أَمْرُه إلى أَن يأْخذه العُطاشُ فيموتَ من شِدَّةِ العَطَش ولا يَشْرَبُ، والكَلَبُ صِياحُ الذي قد عَضَّه الكَلْبُ الكَلِبُ. لسان العرب 1/ 721
[8] الحُمّى يقول ابن منظور: أَرْبَعَت عليه الحُمَّى، أَخذَتهً قال الأَزهري كلام العرب: أَربعت عليه الحمى، والرجل مُرْبَع، بفتح الباء، وقال ابن الأَعرابي: أَرْبَعَتْه الحمى، ولا يقال رَبَعَتْه وفي الصحاح تقول: رَبَعَتْ عليه الحُمّى. لسان العرب 8 / 99. ويقول ابن قتيبة: وهي التي تأخذ يوماً وتدع يومين،ثم تجيء في الرابع تأويل مختلف الحديث ص 156
[9] الفَالجُ داءُ: هو داء معروف يُرْخِي بَعْضَ البَدَن. النهاية في غريب الأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الراوي ومحمود محمد الطنامي، من منشورات: المكتبة العلمية بيروت – لبنان 1399ه- – 1979م 3 / 912
[10] اللقوة: داء في الوجه تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 276ه-، دارالكتاب العربي، بيروت - لبنان. ص 15
[11] المصدر نفسه ص 156
[12] دفاع عن أبي هريرة، عبد المنعم صالح العلي العزي، دار الشروق، بيروت – لبنان ص 250 – 251 مختصراً
[13] زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن ابي بكر الزرعي ابو عبدالله، مؤسسة الرسالة – مكتبة المنار الإسلامية – الكويت ط14 – 1407ه- 1986م تحقيق شعيب الارنؤوط 4/101
[14] سورة الحج الآية 73
[15] آفاق علمية، بقلم الدكتور أحمد عدنان الجبوري، أخصائي جراحة الدماغ والأعصاب – بلا – الأنبار ص 3 – 8
[16] سورة ذاريات الآية 21
[17] دفاع عن أبي هريرة ص 250 – 251 مختصراً