البحث
الفراغ الروحي في الغرب
بعد أن كان الإنسان الغربي يعيش في ظلام دامس رأى النور، نورالعلم ولكن أساء استعماله، كمن يُوصّفُ له الدواء، فيسيء استخدامه، بسبب عدم أخذه أو تجاهله بتعليمات طبيبه، فيكون له داءً وسماً قاتلاً، ففي أوربا عندما فشلت الكنيسة في أداء دورها الصحيح، في مواكبتها للتقدم العلمي الحاصل، واحتضان العلماء الذين قدَّموا خدمات جليلة لمجتمعهم الذي عاش قروناً طويلة في ظلام دامس، أنكروا عليهم، ووقفوا بوجوههم ففقدت الكنيسة مصداقيتها، فانزوت في وادٍ سحيق، فتهافت الناس على ما هو جديد في حياتهم من كل جانب، والتفوا حول علماء الطبيعة في كل مجالات الحياة، ولكن ما طرأ على حياتهم هذه المرة كان أدهى وأمر، وهوعدم وجود ظوابط أو قيود ينطلق من خلالها، فأصبحت حياة الإنسان الغربي حياة مادية بحتة، لا دورللروح فيها، فهذا يُعدُّ خروجاً سافراً على الفطرة التي فطر الله الناس عليها. يصف الدكتورالأنصاري، وكان راقص باليه واعتنق الإسلام يقول: إن الإنسان في غمرة اندفاعه المحموم نحو التعميق في العلوم المادية قد تجاهل أهم هذه الميادين جميعاً، وهو ميدان الروح، وهنا نرى الإسلام يقف في ذلك كله في القمة...
إن الإنسان يجب أن يتعلم أن الجانب المادي، وكذا الجانب الروحي يجب أن يسيرا جنباً إلى جنب مع بعضهما، ذلك أنه بدون أحدهما يصبح الآخر عديم القيمة، وإنما بتعاونهما معاً يتكون الإزدواج المثالي الكامل، وهما صنوان، وأن هذه الطبيعة المزدوجة الموجودة في جميع الناس، أن تكون له السيادة الكاملة عليها[1].
ولهذا شعرعلماء الغرب بخطورة التخلي عن الروح التي هي قوام الإنسان فالإنسان إنسان بروحه لا بجسمه.. فإذا تجرد الإنسان عن دو الروح، تجرد عن إنسانيته، فيصبح وحشاً كاسراً، أو إنساناً عدوانياً على أقل تقدير.
يقول الطبيب والعالم الأخصائي الدكتور((جايلورد هاورز)) في كتابة الرائع ((عش مائة عام)): ولا يفوتني هنا أن أشير إلى ما للإيمان الديني من أهمية قصوى في حياة البشر، فإنه ليس أحمق ولا عمى وانطماس بصيرة من أولئك الذين يزعمون أن لامكانة في العصر الحديث للدين... فالعقيدة هي النجم القطبي الذي يهدي الملاحين في عرض بالأخطار والغوامض من بحر الحياة في الزمن القديم.
فالحاجة اليوم إلى البحر إذا خيّم الظلام، والحياة العصرية أشد تلاطماً وأوسع مداً وأحفل العقيدة أشد منها في أي عصر، والنفس المطمئنة لا يمكن أن تكون كذلك ما لم تستند إلى عقيدة راسخة أبدية أزلية[2].
ولكنها يوماً بعد يوم غرقت في ماديتها عندما أطلق لها مفكروها وفلاسفها العنان، حتى قال جان جاك روسو: دعه يعمل دعه يمر، دون قيود، فانتشرت الإباحية في أرجاء أوربا،لا رادع يردعهم، ولا قانون يمنعهم فعمت البلوى، وانتشرت الفوضى.
وعندما نقول الغرب، فإن أمريكا لاشك من ضمنها، حيث أن قاطنيها أغلبهم كانوا من أوربا، عدا السكان الأصليين من الهنود الحمر والأفارقة، ولا ننسى أنها كانت مستعمرة بريطانية.. فالغرب يعيشون فراغاً روحياً، فالقلوب خاوية فارغة فإن الفراغ لا بد من ملئها، فإن لم نستطع ملأه بالإيمان، فإن شياطين الإنس والجن في أُهبة الإستعداد، لإغراء هؤلاء بالفساد، وأعتقد أن شياطين الإنس أحياناً أكثرتأثيراً في إفساد هؤلاء فإن المؤمن عندما يشعر بالضجر والملل، والإضطراب الروحي، فإنه يعالج هذا الداء الطارىء بذكر الله سبحانه تعالى، ليقينه أن هذا هوعلاجه الروحي الناجح والناجع، لقوله سبحانه وتعالى: ﴿الذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ الا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾[3].
والغرب قد وقعوا في شراك إبليس، فإن أسباب الفساد في متناول الأيدي، وخاصة عند ذوي الدخل العالي، وتجاوزوا أكثرمن هذا، فإن الإتجار بالجنس قد أصبح مهنة رابحة وورائها شركات عالمية.
يقول الأستاذ عبد الحليم عويس: أعلن الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية (نيكسون) أن أرباح التجارة بالمرأة قد عادت على أصحابها بأكثر من ملياري دولار في عام1972م[4].
فلوا سلك هؤلاء طريق الإيمان لما وقعوا في حبائل الشيطان.
يقول الداعية الإسلامي الكبيرمحمد الغزالي: إن القارتين الكبيرتين أوربا وأمريكا تعيشان في عزلة عن الله، وغربة عن الوحي، وإن كثرت في أرجائهما الكنائس، لأن المادية السائدة أقوى وأعتى من أن تصدها عقيدة مزعزعة الأسس العقلية والروحية، أما أن يعتمد الغربيون على الأسباب بعيداً عن الخالق الأعلى، أو يعتمد الشرقيون على الله مهملين أسبابه التي
في الآخرة من رحمة، ولكن ها هو ذا الحديث نفسه يشهد اليوم أن الصلاة عن الفحشاء والمنكر، وأنها الأساس الطيب لكل ما في الدنيا من خير، وهي كالماء العذب تجعل النبات ينمو ويزدهر إذا ما صلى الزارع له..أما إذا تركه وشأنه فإن البذرو في الأرض قد تتعفن وتفسد، ولا ترى نورالشمس، أو تخرج ثم يذوى نبتها ويذبل..
هذه هي الحقيقة التي إسفرت عنها التجربة في بعض المعامل الأمريكية في ((لوس إنجلوس))، ولعلها تردع العلماء الذين يؤمنون بالعلم وحده، والذين ينكرون أن للروح تأثيرها الساحر في الكائنات، وأن خير الزاد التقوى كما قال الله جل شأنه. فمنذ عام 1952 م وهم يجربون في مؤسسة البحث الديني شتى التجارب للتدليل على قوة الإيمان تدليلاً علمياً. وإذا كنا نستطيع أن ننقل أفكارنا من رأس بشر إلى رأس آخر، أفلا يمكن أن نلقى إشعاعات الفكر على شكل صلاة ودعاء ونداء؟!.
وهل تؤدى الإبتهالات التقية في عالمنا الذي يجري ورآء المادة الخسيسة، ويكاد يكفر بكل ما عداها إلى هذه النتائج العظيمة؟!.
لقد وضعوا في أحواض الزرع حبوباً صلوا لها وباركوها، ثم وضعوا حبوباً في أحواض أخرى بلا صلاة ولا دعاء، فنبت الأولى نباتاً حسناً، وظلت الأخرى في قفر وجذب.. سبحانك ربي، إنك أنت الزارع الأكبر، وما كنا نحن الزارعين![5].
أقول: وهذا الكلام كذلك يمثل جوانب من الحق، ونخشى أن يحيف على الجانب المهم، وأن يتَّخِذَ منه المادِّيون مجالاً لسُخريتهم.
إن الإسلام ماديّ وروحيّ، أو هو – كما قررنا – الفطرة الكاملة[6].
فإن تجريد الإنسان من الروح تعطيل للحياة، وخروج على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، لماذا لايسال المسلم اليوم إقدام الإنسان الغربي إلى الإنتحار أكثر من الدول الإسلامية؟ كما أثبتت الإحصائيات.. لأنه لا يجد لمشاكله التي لا يجد لها حلاً في ظل المادية، ولو جلس ربع ساعة أمام أحد علماء المسلمين لوصف له العلاج الناجع، ولكن شاءت القدرة الإلهية أن أن يختار كل واحد من البشر ويشق طريقه، منهم يسير دون هدي، ومنهم قد رسم طريقه بعلم ودراية يعرف وجهته، فهناك اللقاء، عند الله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً﴾[7].
[1] راقص الباليه الإنكليزي ص87
[2] راقص الباليه الإنكليزي الذي أصبح أستاذاً في جامعة الأزهر، ص87
[3] سور الرعد الآية 28
[4] الإسلام أولاً: الأستاذ عبدالحليم عويس – دار الإعتصام – القاهرة 1976م ص 57
[5] إشارة إلى قوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾. (الواقعة: 64)
[6] مع الله دراسات في الدعوة والدعاة، دار الكنب الحديثة – القاهرة – مطبعة السعادة – مصر ص 27 – 28
[7] سورة الإسراء الآية 84