1. المقالات
  2. لماذا اعتنقنا الإسلام دينا؟ _ سفر أحمد الحمداني
  3. قصة إسلام محمد أسد . (النمسا)

قصة إسلام محمد أسد . (النمسا)

الكاتب : سفر أحمد الحمداني

Muhammd Asad

وهو سياسي وصحفي ومؤلف

في سنة 1922م غادرت موطني النمسا للسفرفي رحلة إلى أفريقيا وآسيا، لأعمل مراسلاً خاصاً لبعض الصحف الأوربية الكبيرة... ومنذ تلك السنة وأنا أكاد أقضي كل وقتي في بلاد الشرق الإسلامية. وكان اهتمامي بادىء الأمر بشعوب هذه البلاد التي زرتها، وهو ما يشعر به الرجل الغريب.

رأيت أول ما رأيت مجتمعاً يختلف في مظهره كل الإختلاف عن المجتمع الأوربي وبدأت منذ الوهلة الأولى أحس بميل ينساب في نفسي ويزداد إلى هذا اللون الهادىء المستقر من فلسفة الحياة، بل أقوى الحياة الإنسانية إذا قورنت بالأسلوب الميكانيكي المرسوم بالسرعة في حياة الأوربيين.

هذا الميل بدأ يوجه شعوري تدريجياً إلى دراسة أسباب هذا الإختلاف وبدأت أهتم بدراسة التعاليم الدينية في الإسلام، على أنني في ذلك الوقت لم أشعر بدافع قوي يكفي ليجذبني إلى اعتناق الإسلام، الا أنني بدأت أرى صورةً حيةً لمجتمعٍ إنسانيٍ متطورٍ يكادُ يخلو نظامهُ من التناقضات الداخلية ويتسم بأوفر قسطٍ من الشُّعور الأخروي الصحيح.

وقد ظهرت لي حقيقة واضحة – مع ذلك – هي أن حياة المسلمين اليوم بعيدة كل البعد عن الحياة المثالية التي يمكن أن تحققها لهم تعاليم الإسلام، فكل ما كان في الإسلام من قوى دافعة ومن حركة، إنقلب بين المسلمين إلى كسل وجمود، وما كان فيه من كرم واستعداد لبذل الروح أضحى بين مسلمي اليوم ضيقاً في الأفق العقلي، وحباً للحياة السهلة والوداعة، وقد تملكتني الحيرة عندما رأيت ذلك، ورأيت هذا التناقض العجيب بين ما كان في ماضي المسلمين وحاضرهم، فحفَّزني ذلك إلى زيادة العناية بهذا اللغز الذي رأيته، فحاولت أنْ أتصوَّر أنني فعلاً أحد هؤلاء الذين تضمهم دائرة الإسلام، ودخلت بذلك في تجربة تصورية بحتة، وسرعان ما تكشف لي الحل الصحيح.

وجدت السَّبب الذي ليس معه سبب آخر للتخلف الإجتماعي والثقافي بين المسلمين، ذلك أنهم بعدوا رويداً رويداً عن اتباع تعاليم الإسلام وروحه...

إن مجتمع الإسلامي لا زال قائماً، الا أنه جسد بلا روح، والعنصرالذي كان يوماً سرَّ قوة العالم الإسلامي هو نفسه الذي انتهى به إلى ما هوفيه اليوم من ضعف، لقد بنى المجتمع الإسلامي منذ نشأته على أساس من الدين وحده، ونتيجة حتمية لضعف هذا الأساس أن يضعف معه الكيان الثقافي، ومن المحتمل أن يكون ذلك سبباً في زواله واختفائه نهائياً.

وكلما تكشف لي من قوة تعاليم الإسلام ومن ملاءمتها غيرالمحدودة للتطبيق الواقعي في الحياة، كلما ازداد عجبي ونساؤلي عن السبب الذي حدا بالمسلمين إلى التخلي عن الالتصاق الكامل بهذه التعاليم وممارستها فعلياً في واقع حياتهم.

ناقشت هذا الأمر مع كثير من مفكري المسلمين في جميع الدول الإسلامية تقريباً مابين صحراء ليبيا وجبال الباميرفي وسط أسيا، وما بين البسفور والبحر العربي، حتى اصبح شغلي الشاغل الذي استولى على فكري وطغى على كل اهتمام آخر لي في محيط العالم الإسلامي.

وازداد يقيني في ما لهذا البحث من أهمية قصوى، حتى أصبحت – وأنا غير المسلم – أُدافع عن الإسلام أمام المسلمين مستنكراً إهمالهم وتراخيهم، وكنت لا القي بالاً إلى هذا الإهتمام المتزايد في قرارة نفسي حتى كان ذلك اليوم، وأذكر أنه كان في خريف عام 1925 وفي جبال أفغانستان، حين حدثني شاب كان في ذلك الوقت حاكماً لأحدى المناطق، إذ فاجأني بقوله: ((ولكنك الآن مسلم دون أن تدري))، فأدهشتني هذه الكلمات وظللت صامتاً.

وعندما عدت إلى أوربا عام 1926 رأيت أن النتيجة المنطقية لسلوكي وفكري هي أن أعتنق الإسلام.

هذه الظروف التي انتهت بي إلى إعلان إسلامي، ومنذ ذلك الحين تكرر توجيه السؤال اليَّ: ((لماذا اعتنقت الإسلام؟ وما هو الشيء الذي أغراك فيه على التحديد؟)) ويجب أن أعترف أنني لا أستطيع تحديد الجواب المقنع لم يكن هناك شيء بعينه من تعاليم الإسلام، هو الذي أخذ بمجامع قلبي، إنه المجموع المتكامل المتناسب والمتماسك من هذه التعاليم الروحية من جانب، والتي ترسم برنامجاً عملياً للحياة من الجانب الآخر.

لم أكن أستطيع عندئذ – وحتى هذه اللحظة – أن أُحدد أي ناحية في الإسلام كان لها في نفسي وقع وأثر أكثر من غيرها، فلإسلام يبدولي وكأنه بناء محكم في هندسته وتصميمه، كل أجزائه متناسبة ليكمل بعضها بعضاً، لازيادة فيه ولا نقصان، ويؤدي بذلك إلى نتيجة واحدة هي التوازن الكامل والإستقرار الشامل...

ربما كان شعوري بأن كل ما في الإسلام من نظريات وتعاليم موضوع في وضع محكم مناسب، هوأكثر الأمور ثأثيراً في نفسي ربما كان الأمركذلك وربما كانت هناك مشاعرأُخرى كثيرة، من العسير عليَّ اليوم أن أتناولها اليوم بالتحليل، ولكن على أيِّ حال فإن هذا الموضوع يتعلق بحب نشأ في قلبي لهذا الدين، والحب مزيج من عوامل كثيرة، من رغباتنا وإحساسنا بالوحدة، من أهدافنا السامية وقصورنا ومن قوتنا وضعفنا، وهكذا كان الحال معي، لقد تسلل الإسلام إلى صميم قلبي دون أن أحسه كما يتسلل اللص إلى المنزل في الليل، ولكنه ليس كاللص يدخل ويخرج، إنه دخل قلبي ليبقى فيه إلى الأبد، ومنذ ذلك الحين، وأنا أبذل قصارى جهدي لأتعلم كل ما يمكنني معرفته عن الإسلام، درست القران وسنة الرسول r...

درست لغة الإسلام وتاريخه، وقدراً كبيراً مما كتب عنه وما كتب ضده...

قضيت أكثر من خمس سنوات في الحجازونجد وأغلبها في المدينة، لكي أندمج في البيئة الأصلية التي نشأت فيها دعوة الدين الذي جاء به ((النبي العربي))، الحجازملتقى المسلمين من مختلف الأقطار، فكان هذا مما يسَّرلي مقارنة وجهات النظرالدينية والإجتماعية السائدة في العالم الإسلامي في عهدنا الحاضر.

هذه الدراسات والمقارنات ركَّزت في نفسي الإقناع، بأنَّ الإسلام بشطريه الروحي والإجتماعي – رغم ما يبدو عليه من ضعفٍ ناشىءٍ عمّا أصاب المسلمين من الوهن – ما يزال أعظم قوة عرفتها البشرية على الإطلاق، ومنذ ذلك الحين، تركز اهتمامي حول موضوع بعث هذا الدين ليعيد أمجاده[1].

وقد درس هذا العملاق الثقافة الإسلامية دراسة دقيقة وقارنها بالثقافة الغربية التي نشأ عليها، فوجد زيف ما كان عليه قبل إسلامه من الثقافة الجوفاء، ووجد الإسلام منهاجاً متكاملاً للإنسان السوَّي المتحضر، منهاجاً يلبّي كل حاجياته في الحياة، فحذرالمسلمين سلوك المنهج الغربي في جميع مناحي الحياة، بل الأخذ بما هو صالح لحياتهم وترك ما هو فاسد ومن روائع ما كتب؛ رسالته الصغيرة بحجمها والعظيمة بفائدتها لكل مثقف يريد إستيعاب الثقافة الإسلامية من خلال كتابات الداخلين لهذا الدين العظيم، والذي أسماها ((التَّقليد))، ولكي تقف عند هذه الكلمات التي سطرتها أنامل

هذا العملاق، أنقل اليكم هذه الأسطرمنها؛ إذا يقول: إن تقليد المسلمين – سواء أكان فردياً أم جماعياً – لطريقة الحياة الغربية، لهو بلا ريب أعظم الأخطار التي تستهدف لها الحضار الإسلامية ذلك المرض لقد مرت على العالم الإسلامي فترة من الركود، فقفزكثيرون من المسلمين إلى استنتاج سطحي خالص، يتلخَّص في أنَّ النظام الإسلامي في الإجتماع والإقتصاد لا يتفق مع مقتضيات التقدم، ولذا يجب أن يحوَّر حسب الأُسس الغربية...

هؤلاء ((المتنورون)) لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن مدى التبعة التي يتحمَّلها إعتبار الإسلام نِحلة ((مجموعة عبادات فقط)) في تأخر المسلمين. ثم إنه لم يتح لهم أن يروا موقف الإسلام الحقيقي كما في مصادره الأصلية القران الكريم والسنة النبوية، ولكنهم اكتفوا من ذلك كله، بأن تعاليم فقهائهم المعاصرين كانت سداً منيعاً في وجه الرقيِّ والتقدم المادي. ثم بدا لهم أن تقليد المدنية الغربية هو المخرج الوحيد من ورطة الإنحلال الإسلامي فاندفعوا بذلك الإتجاه[2].

ثم وجه المثقف المسلم إلى مراجعة الكتب المعتبرة لمفكرين إسلاميين جندوا حياتهم لخدمة الإسلام والمسلمين، من أجل أن لا يتيه المسلم المعاصر في بحار الحيرة وهو يرى التَّقدم العلمي الهائل في العالم الغربي، بينما المسلمون في سباتٍ دائم، فأرشدنا إلى ضالتنا المفقودة قائلاً:إن خير المؤلفات الحديثة من ناحية التفكير– ومنها الكتاب القيِّم ((إسلام لاشماق))

(إعتناق الإسلام ) للأمير سعيد حليم باشا – والتي تقطع بأن الشريعة الإسلامية ليست حجرة عثرة في سبيل التقدم الحديث كما ظن بعضهم أخيراً – قد تأخرت في الظهور، فلم تستطع أن تقف التيارالذي طما على الكثيرين من المسلمين بإعجابٍ أعمى بالمدنية الغربية، ثم إن القدرة على الشفاء في هذه المؤلفات قد بطلت بفعل سيل من الكتابات ((وضعها أهله فيما ظنوا للدفاع عن العقائد الإسلامية [3]))...[4].

ولكي يفهم المسلم الفرق بين تقليد المسلم للغرب فيما هو نافع وما هو ضار ومخالف للشريعة الإسلامية يقول محمد أسد: ليس في الإسلام قصرنظر.. ذلك مما لا شكَّ فيه! بل إن الإسلام قد منَّ على الإنسان بمجال واسع من وجوه الإمكان، ما دام لا يفعل ما يناقض الأوآمرالدينية[5].

فالأصالة في حضارتنا الإسلامية، ولامانع أن نأخذ من الغرب ما هو صالح، لا فيما ذهبوا إليه من الباطل، فهم كما قال الدكتورعماد الدين خليل: يبدوا واضحاً أن أبناء الحضارة المهزومة[6] ؛ يتبعون في نشاطهم الثقافي والعلمي تقليداً غير الذي يتبعه أبناء الحضارة الأصلية المبدِعة.. تقليداً لا يعود في جذوره إلى المعطيات التجريبية والثقافية فحسب[7].

 




[1] لماذا أسلمنا ص47-51.

[2] التقليد ص 6 - 7

[3] ولا أنسى ما سمعته من أًستاذي الفاضل الدكتورعارف علي عارف في ثمانينات القرن المنصرم، أن أحد العلماء عندما سمع بموضوع : ((دورة المياه في الطبيعة)) ردَّ على كل من يقول به بكتاب عنوانه : ((الصارم البتار، لمن قال ان المطر من البخار))، ظناً منه أنه يتناقض مع قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ (النحل:65). وغيرها من الآيات.

[4] التقليد ص 7- 8

[5] المصدر نفسه ص9

1-              [6] يقصد بالحضارة المهزومة: بالحضارة الغربية التي أبناؤها يقلدون أقوال دارون في نظريته المشؤومة

(النشوء والإرتقاء) بينما هذه المسالة لا تحتاج إلى هذا التهويل لأنها معروفة فطرة، والأديان السماوية متفقة عليها.

[7] ملاحظة في التقليد الحضاري ملكيوُّن أكثر من ملك، الدكتور عمادالدين خليل – مطبعة الميناء – بغداد 1977م ص 3

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day