البحث
فصل في هديه في الجنائز والصلاة عليها واتباعها ودفنها
فصل في هديه في الجنائز والصلاة عليها واتباعها ودفنها وما كان يدعو به للميت في صلاة الجنازة وبعد الدفن وتوابع ذلك
كان هديه في الجنائز أكمل الهدي مخالفا لهدي سائر الأمم مشتملا على الإحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفعه في قبره ويوم معاده وعلى الإحسان إلى أهله وأقاربه وعلى إقامة عبودية الحي لله وحده فيما يعامل به الميت وكان من هديه في الجنائز إقامة العبودية للرب تبارك وتعالى على أكمل الأحوال والإحسان إلى الميت وتجهيزه إلى الله على أحسن أحواله وأفضلها ووقوفه ووقوف أصحابه صفوفا يحمدون الله ويستغفرون له ويسألون له المغفرة والرحمة والتجاوز عنه ثم المشي بين يديه إلى آن يودعوه حفرته ثم يقوم هو وأصحابه بين يديه على قبره سائلين له التثبيت أحوج ما كان إليه ثم يتعاهده بالزيارة له في قبره والسلام عليه والدعاء له كما يتعاهد الحي صاحبه في دار الدنيا فأول ذلك تعاهده في مرضه وتذكيره الآخرة وأمره بالوصية والتوبة وأمر من حضره بتلقينه شهادة أن لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه ثم النهي عن عادة الأمم التي لا تؤمن بالبعث والنشور من لطم الخدود وشق الثياب وحلق الرؤوس ورفع الصوت بالندب والنياحة وتوابع ذلك وسن الخشوع للميت والبكاء الذي لا صوت معه وحزن القلب وكان يفعل ذلك ويقول تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وسن لأمته الحمد والإسترجاع والرضى عن الله ولم يكن ذلك منافيا لدمع العين وحزن القلب ولذلك كان أرضى الخلق عن الله في قضائه وأعظمهم له حمدا وبكى مع ذلك يوم موت ابنه إبراهيم رأفة منه ورحمة للولد ورقة عليه والقلب ممتلىء بالرضى عن الله عز وجل وشكره واللسان مشتغل بذكره وحمده ولما ضاق هذا المشهد والجمع بين الأمرين على بعض العارفين يوم مات ولده جعل يضحك فقيل له أتضحك في هذه الحالة قال إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه فأشكل هذا على جماعة من أهل العلم فقالوا كيف يبكي رسول الله يوم مات ابنه إبراهيم وهو أرضى الخلق عن الله ويبلغ الرضى بهذا العارف إلى أن يضحك فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هدي نبينا كان أكمل من هدي هذا العارف فإنه أعطى العبودية حقها فاتسع قلبه للرضى عن الله ولرحمة الولد والرقة عليه فحمد الله ورضي عنه في قضائه وبكى رحمة ورأفة فحملته الرأفة على البكاء وعبوديته لله ومحبته له على الرضى والحمد وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة والرأفة
فصل
وكان من هديه الإسراع بتجهيز الميت إلى الله وتطهيره وتنظيفه وتطييبه وتكفينه في الثياب البيض ثم يؤتى به إليه فيصلي عليه بعد أن كان يدعى إلى الميت عند احتضاره فيقيم عنده حتى يقضي ثم يحضر تجهيزه ثم يصلى عليه ويشيعه إلى قبره ثم رأى الصحابة أن ذلك يشق عليه فكانوا إذا قضى الميت دعوه فحضر تجهيزه وغسله وتكفينه ثم رأوا أن ذلك يشق عليه فكانوا هم يجهزون ميتهم ويحملونه إليه على سريره فيصلي عليه خارج المسجد ولم يكن من هديه الراتب الصلاة عليه في المسجد وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد وربما كان يصلي أحيانا على الميت في المسجد كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد ولكن لم يكن ذلك سنته وعادته وقد روى أبو داود في سننه من حديث صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له وقد اختلف في لفظ الحديث فقال الخطيب في روايته لكتاب السنن في الأصل فلا شيء عليه وغيره يرويه فلا شيء له وقد رواه ابن ماجة في سننه ولفظه فليس له شيء ولكن قد ضعف الإمام أحمد وغيره هذا الحديث قال الإمام أحمد هو مما تفرد به صالحمولى التوأمة وقال البيهقي هذا حديث يعد في أفراد صالح وحديث عائشة أصح منه وصالح مختلف في عدالته كان مالك يجرحه ثم ذكر عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنه صلي عليهما في المسجد قلت وصالح ثقة في نفسه كما قال عباس الدوري عن ابن معين هو ثقة في نفسه وقال ابن أبي مريم ويحيى ثقة حجة فقلت له إن مالكا تركه فقال إن مالكا أدركه بعد أن خرف والثوري إنما أدركه بعد أن خرف فسمع منه لكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف وقال علي ابن المديني هو ثقة إلا أنه خرف وكبر فسمع منه الثوري بعد الخرف وسماع ابن أبي ذئب منه قبل ذلك وقال ابن حبان تغير في سنة خمس وعشرين ومائة وجعل يأتي بما يشبه الموضوعات عن الثقات فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميز فاستحق الترك انتهى كلامه وهذا الحديث حسن فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه وسماعه منه قديم قبل اختلاطه فلا يكون اختلاطه موجبا لرد ما حدث به قبل الإختلاط وقد سلك الطحاوي في حديث أبي هريرة هذا وحديث عائشة مسلكا آخر فقال صلاة النبي على سهيل بن بيضاء في المسجد منسوخة وترك ذلك آخر الفعلين من رسول الله بدليل إنكار عامة الصحابة ذلك على عائشة وما كانوا ليفعلوه إلا لما علموا خلاف ما نقلت ورد ذلك على الطحاوي جماعة منهم البيهقي وغيره قال البيهقي ولو كان عند أبي هريرة نسخ ما روته عائشة لذكره يوم صلي على أبي بكر الصديق في المسجد ويوم علي صلي عمر بن الخطاب في المسجد ولذكره من أنكر على عائشة أمرها بإدخاله المسجد ولذكره أبو هريرة حين روت فيه الخبر وإنما أنكره من لم يكن له معرفة بالجواز فلما روت فيه الخبر سكتوا ولم ينكروه ولا عارضوه بغيره قال الخطابي وقد ثبت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما صلي عليهما في المسجد ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما وفي تركهم الإنكار الدليل على جوازه قال ويحتمل أن يكون معنى حديث أبي هريرة إن ثبت متأولا على نقصان الأجر وذلك أن من صلى عليها في المسجد فالغالب أنه ينصرف إلى أهله ولا يشهد دفنه وأن من سعى إلى الجنازة فصلى عليها بحضرة المقابر شهد دفنه وأحرز أجر القيراطين وقد يؤجر أيضا على كثرة خطاه وصار الذي يصلي عليه في المسجد منقوص الأجر بالإضافة إلى من يصلي عليه خارج المسجد وتأولت طائفة معنى قوله فلا شيء له أي فلا شيء عليه ليتحد معنى اللفظين ولا يتناقضان كما قال تعالى ( وإن أسأتم فلها ) الإسراء 7 أي فعليها فهذه طرق الناس في هذين الحديثين والصواب ما ذكرناه أولا وأن سنته وهديه الصلاة على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر وكلا الأمرين جائز والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد والله أعلم
فصل
وكان من هديه تسجية الميت إذا مات وتغميض عينيه وتغطية وجهه وبدنه وكان ربما يقبل الميت كما قبل عثمان بن مظعون وبكى وكذلك الصديق أكب عليه فقبله بعد موته وكان يأمر بغسل الميت ثلاثا أو خمسا أو أكثر بحسب ما يراه الغاسل ويأمر بالكافور في الغسلة الأخيرة وكان لا يغسل الشهداء قتلى المعركة وذكر الإمام أحمد أنه نهى عن تغسيلهم وكان ينزع عنهم الجلود والحديد ويدفنهم في ثيابهم ولم يصل عليهم وكان إذا مات المحرم أمر أن يغسل بماء وسدر ويكفن في ثوبيه وهما ثوبا إحرامه إزاره ورداؤه وينهى عن تطييبه وتغطية رأسه وكان يأمر من ولي الميت أن يحسن كفنه ويكفنه في البياض وينهى عن المغالاة في الكفن وكان إذا قصر الكفن عن ستر جميع البدن غطى رأسه وجعل على رجليه من العشب
فصل
وكان إذا قدم إليه ميت يصلي عليه سأل هل عليه دين أم لا فإن لم يكن عليه دين صلى عليه وإن كان عليه دين لم يصل عليه وأذن لأصحابه أن يصلوا عليه فإن صلاته شفاعة وشفاعته موجبة والعبد مرتهن بدينه ولا يدخل الجنة حتى يقضى عنه فلما فتح الله عليه كان يصلي على المدين ويتحمل دينه ويدع ماله لورثته فإذا أخذ في الصلاة عليه كبر وحمد الله وأثنى عليه وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بعد التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب جهرا وقال لتعلموا أنها سنة وكذلك قال أبو أمامة بن سهل إن قراءة الفاتحة في الأولى سنة ويذكر عن النبي أنه أمر أن يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب ولا يصح إسناده قال شيخنا لا تجب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بل هي سنة وذكر أبو أمامة بن سهل عن جماعة من الصحابة الصلاة على النبي في الصلاة على الجنازة وروى يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه سأل عبادة بن الصامت عن الصلاة على الجنازة فقال أنا والله أخبرك تبدأ فتكبر ثم تصلي على النبي وتقول اللهم إن عبدك فلانا كان لا يشرك بك وأنت أعلم به إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده
فصل
ومقصود الصلاة على الجنازة هو الدعاء للميت لذلك حفظ عن النبي ونقل عنه ما لم ينقل من قراءة الفاتحة والصلاة عليه فحفظ من دعائه اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار وحفظ من دعائه اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وحفظ من دعائه اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك فقه من فتنة القبر ومن عذاب النار فأنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمه إنم أنت الغفور الرحيم وحفظ من دعائه أيضا اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت رزقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضت روحها وتعلم سرها وعلانيتها جئنا شفعاء فاغفر لها وكان يأمر بإخلاص الدعاء للميت وكان يكبر أربع تكبيرات وصح عنه أنه كبر خمسا وكان الصحابة بعده يكبرون أربعا وخمسا وستا فكبر زيد بن أرقم خمسا وذكر أن النبي كبرها ذكره مسلم وكبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على سهل بن حنيف ستا وكان يكبر على أهل بدر ستا وعلى غيرهم من الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا ذكره الدارقطني وذكر سعيد بن منصور عن الحكم بن عتيبة أنه قال كانوا يكبرون على أهل بدر خمسا وستا وسبعا وهذه آثار صحيحة فلا موجب للمنع منها والنبي لم يمنع مما زاد على الأربع بل فعله هو وأصحابه من بعده والذين منعوا من الزيادة على الأربع منهم من احتج بحديث ابن عباس أن آخر جنازة صلى عليها النبي كبر أربعا قالوا وهذا آخر الأمرين وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعله هذا وهذا الحديث قد قال الخلال في العلل أخبرني حرب قال سئل الإمام أحمد عن حديث أبي المليح عن ميمون عن ابن عباس فذكر الحديث فقال أحمد هذا كذب ليس له أصل إنما رواه محمد بن زياد الطحان وكان يضع الحديث واحتجوا بأن ميمون بن مهران روى عن ابن عباس أن الملائكة لما صلت على آدم عليه الصلاة والسلام كبرت عليه أربعا وقالوا تلك سنتكم يا بني آدم وهذا الحديث قد قال فيه الأثرم جرى ذكر محمد بن معاوية النيسابوري الذي كان بمكة فسمعت أبا عبدالله قال رأيت أحاديثه موضوعة فذكر منها عن أبي المليح عن ميمون بن مهران عن ابن عباس أن الملائكة لما صلت على آدم كبرت عليه أربعا واستعظمه أبو عبدالله وقال أبو المليح كان أصح حديثا وأتقى لله من أن يروي مثل هذا واحتجوا بما رواه البيهقي من حديث يحيى عن أبي عن النبي أن الملائكة لما صلت على آدم فكبرت عليه أربعا وقالت هذه سنتكم يا بني آدم وهذا لا يصح وقد روي مرفوعا وموقوفا وكان أصحاب معاذ يكبرون خمسا قال علقمة قلت لعبدالله إن ناسا من أصحاب معاذ قدموا من الشام فكبروا على ميت لهم خمسا فقال عبدالله ليس على الميت في التكبير وقت كبر ما كبر الإمام فإذا انصرف الإمام فانصرف
فصل
وأما هديه في التسليم من صلاة الجنازة فروي عنه أنه كان يسلم واحدة وروي عنه أنه كان يسلم تسليمتين فروى البيهقي وغيره من حديث المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى على جنازة فكبر أربعا وسلم تسليمة واحدة لكن قال الإمام أحمد في رواية الأثرم هذا الحديث عندي موضوع ذكره الخلال في العلل
وقال إبراهيم الهجري حدثنا عبدالله بن أبي أوفى أنه صلى على جنازة ابنته فكبر أربعا فمكث ساعة حتى ظننا أنه يكبر خمسا ثم سلم عن يمينه وعن شماله فلما انصرف قلنا له ما هذا فقال إني لا أزيدكم على ما رأيت رسول الله يصنع أو هكذا صنع رسول الله قال ابن مسعود ثلاث خلال كان رسول الله يفعلهن تركهن الناس إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة ذكرهما لبيهقي ولكن إبراهيم بن مسلم العبدي الهجري ضعفه يحيى بن معين والنسائي وأبو حاتم وحديثه هذا قد رواه الشافعي في كتاب حرملة عن سفيان عنه وقال كبر عليها أربعا ثم قام ساعة فسبح به القوم فسلم ثم قال كنتم ترون أني أزيد على أربع وقد رأيت رسول الله كبر أربعا ولم يقل ثم سلم عن يمينه وشماله ورواه ابن ماجة من حديث المحاربي عنه كذلك ولم يقل ثم سلم عن يمينه وشماله وذكر السلام عن يمينه وعن شماله انفرد بها شريك عنه قال البيهقي ثم عزاه للنبي في التكبير فقط أو في التكبير وغيره قلت والمعروف عن ابن أبي أوفى خلاف ذلك أنه كان يسلم واحدة ذكره الإمام أحمد عنه قال أحمد بن القاسم قيل لأبي عبدالله أتعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يسلم على الجنازة تسليمتين قال لا ولكن عن ستة من الصحابة أنهم كانوا يسلمون تسليمة واحدة خفيفة عن يمينه فذكر ابن عمر وابن عباس وأبا هريرة وواثلة بن الأسقع وابن أبي أوفى وزيد بن ثابت وزاد البيهقي علي بن أبي طالب وجابر بن عبدالله وأنس بن مالك وأبا أمامة بن سهل بن حنيف فهؤلاء عشرة من الصحابة وأو أمامة أدرك النبي وسماه باسم جده لأمه أبي أمامة أسعد بن زرارة وهو معدود في الصحابة ومن كبار التابعين وأما رفع اليدين فقال الشافعي ترفع للأثر والقياس على السنة في الصلاة فإن النبي كان يرفع يديه في كل تكبيرة كبرها في الصلاة وهو قائم قلت يريد بالأثرم ما رواه عن ابن عمر وأنس بن مالك أنهما كانا يرفعان أيديهما كلما كبرا على الجنازة ويذكر عنه أنه كان يرفع يديه في أول التكبير ويضع اليمنى على اليسرى ذكره البيهقي في السن وفي الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي وضع يده اليمنى على يده اليسرى في صلاة الجنازة وهو ضعيف بيزيد بن سنان الرهاوي
فصل
وكان من هديه إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر فصلى مرة على قبر بعد ليلة ومرة بعد ثلاث ومرة بعد شهر ولم يوقت في ذلك وقتا قال أحمد رحمه الله من يشك في الصلاة على القبر ويروى عن النبي كان إذا فاتته الجنازة صلى على القبر من ستة أوجه كلها حسان فحد الإمام أحمد الصلاة على القبر بشهر إذ هو أكثر ما روي عن النبي أنه صلى بعده وحده الشافعي رحمه الله بما إذا لم يبل الميت ومنع منها مالك وأبو حنيفة رحمهما الله إلا للولي إذا كان غائبا وكان من هديه أنه كان يقوم عند رأس الرجل ووسط المرأة
فصل
وكان من هديه الصلاة على الطفل فصح عنه أنه قال الطفل يصلى عليه وفي سنن ابن ماجة مرفوعا صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم قال أحمد بن أبي عبدة سألت أحمد متى يجب أن يصلى على السقط قال إذا أتى عليه أربعة أشهر لأنه ينفخ فيه الروح قلت فحديث المغيرة بن شعبة الطفل يصلى عليه قال صحيح مرفوع قلت ليس في هذا بيان الأربعة الأشهر ولا غيرها قال قد قاله سعيد بن المسيب فإن قيل فهل صلى النبي على ابنه إبراهيم يوم مات قيل قد اختلف في ذلك فروى أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت مات إبراهيم بن النبي وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه رسول الله قال الإمام أحمد حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني أبي عن ابن إسحاق حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة فذكره
وقال أحمد في رواية حنبل هذا حديث منكر جدا ووهى ابن إسحاق وقال الخلال وقرىء على عبدالله حدثني أبي حدثنا أسود بن عامر حدثنا إسرائيل قال حدثنا جابر الجعفي عن عامر عن البراء بن عازب قال صلى رسول الله على ابنه إبراهيم ومات وهو ابن ستة عشر شهرا وذكر أبو داود عن البهي قال لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى عليه رسول الله في المقاعد وهو مرسل والبهي اسمه عبدالله بن يسار كوفي وذكر عن عطاء بن أبي رباح أن النبي صلى على ابنه إبراهيم وهو ابن سبعين ليلة وهذا مرسل وهم فيه عطاء فإنه قد كان تجاوز السنة فاختلف الناس في هذه الآثار فمنهم من أثبت الصلاة عليه ومنع صحة حديث عائشة كما قال الإمام أحمد وغيره قالوا وهذه المراسيل مع حديث البراء يشد بعضها بعضا ومنهم من ضعف حديث البراء بجابر الجعفي وضعف هذه المراسيل وقال حديث ابن إسحاق أصح منها ثم اختلف هؤلاء في السبب الذي لأجله لم يصل عليه فقالت طائفة استغنى ببنوة رسول الله عن قربة الصلاة التي هي شفاعة له كما استغنى الشهيد بشهادته عن الصلاة عليه وقالت طائفة أخرى إنه مات يوم كسفت الشمس فاشتغل بصلاة الكسوف عن الصلاة عليه وقالت طائفة لا تعارض بين هذه الآثار فإنه أمر بالصلاة عليه فقيل صلي عليه ولم يباشر بنفسه لإشتغاله بصلاة الكسوف وقيل لم يصل عليه وقالت فرقة رواية المثبت أولى لأن معه زيادة علم وإذا تعارض النفي والإثبات قدم الإثبات
فصل
وكان من هديه أنه لا يصلي على من قتل نفسه ولا على من غل من الغنيمة واختلف عنه في الصلاة على المقتول حدا كالزاني المرجوم فصح عنه أنه صلى على الجهنية التي رجمها فقال عمر تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى ذكره مسلم وذكر البخاري في صحيحه قصة ماعز بن مالك وقال فقال له النبي خيرا وصلى عليه وقد اختلف على الزهري في ذكر الصلاة عليه فأثبتها محمود بن غيلان عن عبدالرزاق عنه وخالفه ثمانية من أصحاب عبدالرزاق فلم يذكروها وهم إسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى الذهلي ونوح بن حبيب والحسن بن علي ومحمد بن المتوكل وحميد ابن زنجويه وأحمد بن منصور الرمادي وقال البيهقي وقول محمود بن غيلان إنه صلى عليه خطأ لإجماع أصحاب عبدالرزاق على خلافة ثم إجماع أصحاب الزهري على خلافه وقد اختلف في قصة ماعز بن مالك فقال أبو سعيد الخدري ما استغفر له ولا سبه وقال بريدة بن الحصيب إنه قال استغفروا لماعز ابن مالك فقالوا غفر الله لماعز بن مالك ذكرهما مسلم وقال جابر فصلى عليه ذكره البخاري وهو حديث عبدالرزاق المعلل وقال أبو برزة الأسلمي لم يصل عليه النبي ولم ينه عن الصلاة عليه ذكره أبو داود قلت حديث الغامدية لم يختلف فيه أنه صلى عليها وحديث ماعز إما أن يقال لا تعارض بين ألفاظه فإن الصلاة فيه هي دعاؤه له بأن يغفر الله له وترك الصلاة فيه هي تركه الصلاة على جنازته تأديبا وتحذيرا وإما أن يقال إذا تعارضت ألفاظه عدل عنه إلى حديث الغامدية
فصل
وكان إذا صلى على ميت تبعه إلى المقابر ماشيا أمامه وهذه كانت سنة خلفائه الراشدين من بعده وسن لمن تبعها إن كان راكبا أن يكون وراءها وإن كان ماشيا أن يكون قريبا منها إما خلفها أو أمامها أو عن يمينها أو عن شمالها وكان يأمر بالإسراع بها حتى إن كانوا ليرملون بها رملا وأما دبيب الناس اليوم خطوة خطوة فبدعة مكروهة مخالفة للسنة ومتضمنة للتشبه بأهل الكتاب اليهود وكان أبو بكرة يرفع السوط على من يفعل ذلك ويقول لقد رأيتنا ونحن مع رسول نرمل رملا قال ابن مسعود رضي الله عنه سألنا نبينا عن المشي مع الجنازة فقال ما دون الخبب رواه أهل السنن وكان يمشي إذا تبع الجنازة ويقول لم أكن لأركب والملائكة يمشون فإذا انصرف عنها فربما مشى وربما ركب وكان إذا تبعها لم يجلس حتى توضع وقال إذا تبعتم الجنازة فل تجلسوا حتى توضع قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والمراد وضعها بالأرض قلت قال أبو داود روى هذا الحديث الثوري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال وفيه حتى توضع بالأرض ورواه أبو معاوية عن سهيل وقال حتى توضع في اللحد قال وسفيان أحفظ من أبي معاوية وقد روى أبو داود والترمذي عن عبادة بن الصامت قال كان رسول الله يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد لكن في إسناده بشر بن رافع قال الترمذي ليس بالقوي في الحديث وقال البخاري لا يتابع على حديثه وقال أحمد ضعيف وقال ابن معين حدث بمناكير وقال النسائي ليس بالقوي وقال ابن حبان يروي أشياء موضوعة كأنه المتعمد لها
فصل
ولم يكن من هديه وسنته الصلاة على كل ميت غائب فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غيب فلم يصل عليهم وصح عنه أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت فاختلف الناس في ذلك على ثلاثة طرق أحدها أن هذا تشريع منه وسنة للأمة الصلاة على كل غائب وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه وقال أبو حنيفة ومالك هذا خاص به وليس ذلك لغيره قال أصحابهما ومن الجائز أن يكون رفع له سريرة فصلى عليه وهو يرى صلاته على الحاضر المشاهد وإن كان على مسافة من البعد والصحابة وإن لم يروه فهم تابعون للنبي في الصلاة قالوا ويدل على هذا أنه لم ينقل عنه أنه كان يصلي على كل الغائبين غيره وتركه سنة كماأن فعله سنة ولا سبيل لأحد بعده إلى أن يعاين سرير الميت من المسافة البعيدة ويرفع له حتى يصلي عليه فعلم أن ذلك مخصوص به وقد روي عنه أنه صلى على معاوية بن معاوية الليثي وهو غائب ولكن لا يصح فإن في إسناده العلاء بن زيد ويقال ابن زيدل قال علي بن المديني كان يضع الحديث ورواه محبوب بن هلال عن عطاء بن أبي ميمونه عن أنس قال البخاري لا يتابع عليه وقال الشيخ الإسلام ابن تيمية الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه صلي عليه صلاة الغائب كما صلى النبي على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يصل عليه وإن صلي عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه والنبي القبر وتوسيعه من عند رأس الميت ورجليه ويذكر عنه أنه كان إذا وضع الميت في القبر قال بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله وفي رواية بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ويذكر عنه أيضا أنه كان يحثوا التراب على قبر الميت إذا دفن من قبل رأسه ثلاثا وكان إذا فرغ من دفن الميت قام على قبره هو وأصحابه وسأل له التثبيت وأمرهم أن يسألوا له التثبيت ولم يكن يجلس يقرأ عند القبر ولا يلقن الميت كما يفعله الناس اليوم وأما الحديث الذي رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي القبر وتوسيعه من عند رأس الميت ورجليه ويذكر عنه أنه كان إذا وضع الميت في القبر قال بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله وفي رواية بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ويذكر عنه أيضا أنه كان يحثوا التراب على قبر الميت إذا دفن من قبل رأسه ثلاثا وكان إذا فرغ من دفن الميت قام على قبره هو وأصحابه وسأل له التثبيت وأمرهم أن يسألوا له التثبيت ولم يكن يجلس يقرأ عند القبر ولا يلقن الميت كما يفعله الناس اليوم وأما الحديث الذي رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة عن النبي إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يستوي قاعدا ثم يقول يا فلان بن فلانه فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تشعرون ثم يقول اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول انطلق بنا ما نقعد عند من لقن حجته فيكون الله حجيجه دونهما فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أمه قال فينسبه إلى حواء يا فلان بن حواء فهذا حديث لا يصح رفعه ولكن قال الأثرم قلت لأبي عبدالله فهذا الذي يصنعونه إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول يا فلان بن فلانة اذكر ما فارقت عليه الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله فقال ما رأيت أحدا فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء إنسان فقال ذلك وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه وكان ابن عياش يروي فيه قلت يريد حديث إسماعيل بن عياش هذا الذي رواه الطبراني عن أبي أمامة وقد ذكر سعيد بن منصور في سننه عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحكيم بن عمير قالوا إذا سوي على الميت قبره وانصرف الناس عنه فكانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره يا فلان قل لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان قل ربي الله وديني الإسلام نبيي محمد ثم ينصرف
فصل
ولم يكن من هديه تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ولا بحجر ولبن ولا تشييدها ولا تطيينها ولا بناء القباب عليها فكل هذا بدعة مكروهة مخالفة لهديه وقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن ألا يدع تمثالا إلا طمسه ولا قبرا مشرفا إلا سواه فسنته تسوية هذه القبور المشرفة كلها ونهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه وكانت قبور أصحابه لا مشرفة ولا لاطئة وهكذا كان قبره الكريم وقبر صاحبيه فقبره مسنم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء لا مبني ولا مطين وهكذا كان قبر صاحبيه وكان يعلم قبر من يريد تعرف قبره بصخرة
فصل
ونهى رسول الله عن اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها
واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعله ونهى عن الصلاة إلى القبور ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيدا ولعن زوارات القبور وكان هديه أن لا تهان القبور وتوطأ وألا يجلس عليها ويتكأ عليها ولا تعظم بحيث تتخذ مساجد فيصلى عندها وإليها وتتخذ أعيادا وأوثانا