قال الله تعالى في كتابه العزيز:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:82].
كلنا نؤمِن أنَّ القرآن فيه شِفاء من أيِّ مرَض، عضويًّا كان أم نَفسيًّا، ولكن عندما نرى هذه الحقائق بأمِّ أعيننا لا يَسعنا إلَّا أن نقول: "صدَق ربُ العزَّة، القرآنُ كلامه، والله لا يخلف الميعاد".
ذكرَت لي صديقتي أنَّها التقَت بأختٍ جاءت من ولايةٍ أخرى لتكمِل علاجها من مرَض مزمِنٍ أصابها، لدَيها طفلان، وعلى انفصالٍ من زوجها، جاءت إلينا بعدما قال لها الأطبَّاء: إنَّ بقاءها في الحياة مَعدود، وإنَّها لا بدَّ أن تَكتب وصيَّتَها، وتوقِّع للحكومة على أخذ فلذة أكبادها؛ رفضَت بشدَّة ولعلمها أنَّ المسلمين قليلون في تلك الولاية؛ سألَت أن تَنتقل إلى الولاية الجديدة، حتى إذا شاء الله أن تموتَ تَستطيع أن تَترك أولادَها لأسرةٍ مسلِمة تتبنَّاهم، وافقوا على طَلبها بعد إصرارٍ منها، وجاءت، ورحَّب بها أخواتها في الله أشدَّ ترحيبٍ، وكانوا لها نِعم الأخوات، لم تَشعر بالغربة بينهن، كن يتناوبن على زيارتها، وأخذن مسؤوليَّة تربية أبنائها حتى يعافيها اللهُ، إنَّه على ذلك قدير.
دارت الأيامُ والأخوات كما هن، حتى إنَّ منهن مَن تقوم الليلَ وتدعو لها على أن يتِمَّ شفاؤها، وجاء مَوعد أخذ التحاليل ليَروا مدى انتشار المَرض -مع العلم أنَّهم قالوا لها مِن قبل: إنَّ المرَض ينتشر بسرعةٍ هائلة؛ ممَّا يقرِّب وقتَ انتهاء حياتها- سبحان الله! شاء الله -و {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد:38]- بعدما رأَوا نتيجةَ التحاليل كادت عقولهم تَطير مما رَأوا، فقد شفى اللهُ هذه الأخت، لم يَكن أيُّ أثَرٍ من المرض في جسمها، سبحان الله! {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، وكان أن زال المرَض الخَبيث بأمرٍ من الله.
لم تَنتهِ قصة هذه الأخت؛ فقد أخذَنا الفضول عن سرِّ شفائها؛ ولما سألَتها صديقتي ردَّت بكلِّ يقين: "إنَّها كانت تَقرأ القرآن" قَبل أن تأخذ العلاج الكيماوي على أن ينزل اللهُ عليها الشِّفاء ببركة القرآن، وقالت أختنا: إنَّ هذا المرض كان مِحنَةً ومِنحة؛ محنة لأنَّها ابتليَت بأغلى شيءٍ تملكه، وهي حياتها، ومِنحة لأنَّ هذا الابتلاء كان سبب قربِها من الله؛ فأعطاها الكثيرَ من اليقين، والتذلُّل والخشوع لربِّ العالمين، هذا الابتلاء كان بداية النُّور ونزول الرَّحمات في حياتها؛ حيث تقرَّبَت إلى أحبِّ الذِّكر إلى الله وهو كلامه القرآن الكريم، وعاهدَت نفسها أن تَحفظه كاملًا وتعمَل به ما حيَت.
هذه قصَّة حقيقية ليسَت من نَسج الخيال، وتذكِّرني هذه القصَّة بقصةٍ أخرى قرأتُها عن امرأة ذهبَت لطبيب بعد أن وجدَت آلامًا في جنبها، بعد التحاليل قالوا لها: إنَّه يوجد حصوة في كليَتها، ولا بدَّ من إجراء عمليَّة لإخراجها، قالت لهم أنْ يُعطوها مهلةً من الزمن حتى تَستخير اللهَ، وذهبَت هذه المرأة وعادَت إليهم، فلما أجروا التَّحاليل مرَّةً أخرى رأَوا أن لا وجود لأي حصًى في كليتها، سألوها: ماذا فعلتِ؟ قالت: إنَّها بعدما ذهبَت من عندهم وصَلَّت صلاةَ الاستخارة جاءَت بماء زمزم، وقرأَت فيه شيئًا من القرآن، ونزل الحصى، وزادت: إنَّ القرآن الذى تأثَّر به جبَل عظيم، فكيف به من حصاة صغيرة؛ {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر:21].
سبحان الله! كِلتا الأختين كانت على يقينٍ أنَّ في القرآن شفاءً؛ لذلك أيها القارئ العزيز ليس علينا فقط أن نؤمِن بأنَّ في القرآن شفاءً، ولكن لا بدَّ أن يكون عندك اليَقين القاطِع أنَّ هذا القرآن فيه شِفاء ورَحمة للمؤمنين.
اللهمَّ اشفِ كلَّ مرضانا ومرضى المسلمين بحقِّ القرآن، أنتَ وليُّ ذلك والقادر عليه.