البحث
"لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا"
من يُطالع السيرة النبوية الشريفة بقلبٍ سليم وعقلٍ فطِن لا يمكن إلا أن يقف إجلالًا لصاحبها، وتبجيلًا لكل لحظة من لحظاتها النبوية والإنسانية، ومهما حاول أرباب القلوب السقيمة التنقيب عن ثغراتٍ للنيل من صاحبها فلن يظفروا بمآربهم، وقد شهد بهذا المخالف النزيه قبل الموافق النبيه، ولم يشانئه إلا كلُ بغيضٍ سفيه، وما ذلك إلا لأن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم صُتعت على عين الله، فشبَّ صاحبها وترعرع تحت الرعاية الربّانية منذ نعومة أظفاره، فكانت تحفّه وتحميه من كل الانحرافات البشرية لتحقق له العصمة النبوية.
ولعلّي أعجب كما يعجب غيري من إنصاف غير المسلمين لنبينا، وجرأة من يتمسحون بالدين على النبي صلى الله عليه وسلم ، بل إن وقاحة سفهاء اليوم بلغت مدًًا ربما يستحي كفار قريش أن ينبسوا به لعلمهم الأكيد بشرف سيد الخلق وبراءة عِرضه من كل دنسٍ.
تقول الناشطة البريطانية ANNIE BESANT في محاضرةٍ لها ألقتْها في الهند في عام 1903م: "إنه مِن المُستحيل على مَن يدرُس سيرة وشخصية النبي العربي العظيم، ويدرس كيف كانت دعوته وكيف كانت حياته، لا يَملِك إلا أن يشعر بالتبجيل والاحترام لهذا النبي العظيم الذي كان واحدًا من أعظم وأسمى الأنبياء جميعًا.وقد أذكر لكم في كلامي أشياءً قد تبدو مألوفةً ومعروفة عند كثيرين، ولكني شخصيًا، كلما أعدت القراءة في حياته وسيرته، تَنتابني مشاعر جديدة من الاحترام والتبجيل لهذا المُعلِّم العربي العظيم".
كم يغدو الأمر قبيحًا جدًا حين تقرأ هذا الكلام المُنصف من غير المسلمين، وتقارنه بما يتقيأه بعض السفهاء عندنا على جرائدهم الصفراء، و كم يصبح الأمر بشعًا حين تستباح مقدسات الإسلام على أرض الإسلام فلا يكاد يحرك أهل الإسلام ساكنًا!
{لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} [مريم: 89] يا بني علمان حين تطاولتم على نبينا العدنان؟
ما لكم وللسيرة ولفقهها وقد أوتيتم من العقول أحطّها وأغباها؟ أنّى لقلوبكم المريضة أن تستوعب أمور التشريع حتى تنبروا للإفتاء فيه وتمحيص أموره ومعانيه؟
خبروني يا مجالسنا العلمية ويا رابطتنا المحمدية ويا دعاتنا إلى متى هذا الصمت القبوري؟
صمتكم عجز..صمتكم ذل..صمتكم زاد الأراذل جرأة على ديننا..صمتكم جريمة ..والساكت عن الحق شيطان أخرس!!!
بالله عليكم ما هي وظيفتكم إن لم تكن حمايةَ دينٍ أنتم تتقاضون الملايين في تلك المؤسسات من أجل نشره والحفاظ عليه؟
لماذا لم نسمع بأية محاكمةٍ لأمثال هؤلاء السّفلة على غرار المحاكمة التي رُفعت ضد الشيخ أبو نعيم؟
فهل صوت القناة الثانية أعلى من صوت وزارة الأوقاف وأقوى من صوت المجلس العلمي الأعلى، وأسمى من صوت الرابطة المحمدية؟
إلى متى ستستفزنا قضايا القوميات وما يؤذي ديننا ونبينا نمر عليه مرور اللئام؟
إن أمثال هذه الافتراءات لا تصدر إلا عن قلوبٍ ملأ الحقد قلوبها، وعقولٍ سفّه الشيطان أحلامها، وأقلامٍ نجّس العهر دربها، ولهذا فمشكلة بني علمان ليست مع شخص الرسول صلى الله عليه وسلم فحسب، بل مشكلتهم مع الدين الإسلامي برمّته، ولهذا يحاولون منذ سنوات النيل من ثوابته والجرأة على مقدساته، وهذا طبعهم في كل الدول العربية، يقول الدكتور إياد قنيبي: (كثيرٌ ممن يوصفون بأنهم "علمانيون" في بلادنا ليسوا كذلك، ومن الخطأ المضلِّل وصفهم بذلك.
عشت في أمريكا أربع سنوات في مجتمع علميٍ قريب من العلمانية بالفعل، أفرش سجادتي حيث أدركتني الصلاة، أشغل القرآن بصوت المنشاوي في مختبري، بلحية أطول مما هي حاليًا، أمتنع عن المشاركة في كثيرٍ من مناسباتهم تجنبا للمحظورات، أمتنع عن مصافحة نسائهم، وأدعوهم إلى حضور فعاليات الدعوة إلى الإسلام. وهم مع ذلك يحترمونني ويُظهرون الاحترام لديني، بل وحصل أن يمتنعوا عن "البيرة" في مجالسهم العلمية لأحضرها ويغيروا موعد محاضرة بما يتناسب مع صلاتي الجمعة...كل ما يهمهم هو إتقاني لبحثي ودراستي، علمًا بأني عاصرت أحداث سبتمبر هناك.
أما من يوصفون بالعلمانية في بلاد المسلمين، فكثير منهم يعادي الإسلام، والإسلام فقط! تشرَق به حلوقهم وتعمى بنوره عيونهم، يشمئزون من شعائره ويسخرون مما قصُرت عقولهم الملوثة وأهواؤهم المنحرفة عن إدراك حكمته، بينما يستطيبون فضلات أسيادهم الغربيين!
لا يطبقون مبادئ "حرية التعبير" إلا على مهاجمي الإسلام، ولا مبادئ "احترام الآخر" إلا مع الأقليات والشواذ (مع عدم تسويتنا بينهما)، ولا يعرفون "حقًا" إلا للمرأة التي غرروا بها أن تتبذل في مظهرها وتعصي ربها، أما النساء اللواتي يُضطهدن لحجابهن، ونساء المعتقلين الإسلاميين، والنساء اللواتي أكل المفسدون لقمة عيشهن حتى اضطر بعضهن إلى مسالك الحرام! فهؤلاء لا حق لهم عند هؤلاء أبدًا!
هؤلاء ليسوا علمانيين، ولا أعداء "الدين" بعموم، بل هم أعداء الإسلام والفطرة تحديدًا، شعارهم {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف جزء من الآية: 82]، ويدعون الحيادية {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} {المؤمنون جزء من الآية: 70})
إن حبَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُربةٌ نتقرَّب بها إلى ربنا، والذّود عنه في ظل الهجمات الشرسة من أعداء الدِّين لا ينبغي أن يبقى ردَّ فعلٍ يستفيق كلما جدَّ فِعلٌ من العدو، بل ينبغي أن نُفَعِّلَ هذا الحب فنُحييَ سُنة نبينا في كل أمور حياتناـ في سلوكنا ومعاملاتنا، في بيوتنا وشوارعنا وأماكن عملنا، في إعلامنا وكتاباتنا وكل نبض في حياتنا، حينها سيعلَمُ العالَم من هو قدوتُنا، ومن هو معلِّمنا، ومن هو حبيبنا بعد ربِّنا سبحانه.