{فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر:2].
وهذه الآية تخبر عن سنة عجيبة مدهشة من سنن الله تعالى في إهلاك الأمم الطاغية الظالمة، المتمردة عن أمر ربها، والمسرفة في البغي والعدوان، حيث يأتيهم الهلاك والبوار من الجهة التي ما خطرت لهم ببال، ولا توقعوها بحال، بل كانوا آمنين لها، وواثقين من اتقاء ضررها.
وكل ذلك ليعلم العباد إنهم وإن أمروا أن يستفرغوا الوسع في الأخذ بالأسباب، فيبقى أن الله غالب على أمره، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، وأنه شديد المحال، وسريع الحساب، فأخذه أليم شديد، ومكره بالماكرين الظالمين عجيب، وإذا سلب ظالما إمهاله، وأراد إهلاكه، فليس الأمر موقوفا على ظواهر الأسباب، بل ربما أتي الظالم من مأمنه، ومكر به في غفلته، وكان سبب هلاكه هو ما اعتز به، وارتكن إليه، وبنى حساباته عليه، وأفنى عمره في إرضائه، وظن أنه مانعه من الله؛ {فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر:2].