البحث
الشـباب فترة العمـر الذهبيـة
لذلك حثك رسولك صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تستثمرها، وأن تستفيد منها، بل أن تبذل قصار جهدك في أن تخرج بعظيم الثمرات؛ بأن تبني لك علماً نافعًا وعملاً صالحًا، بأن تصنع لأمتك بطولةً وتاريخاً، بأن تزكي أخلاقك وتؤدب نفسك على العادات الكريمة والآداب الرفيعة.
الشباب هي فترة عمرك الذهبية التي لا تعوضها فترة، كنت طفلاً لا تستطيع أن تقوم فتمشي، ثم قمت لكن.. لتحبو، ثم سرت لكن.. لتسقط، ثم أصبحت فتياً تسير تهد الأرض، تسرع في مناكبها، وتمشي في طرقها، وتصنع وتصنع، لكن لا تنس أن لك مثل الأولى، ستعود ـ إن أذن الله ـ شيخاً كبيراً هرماً لا تستطيع الركض، بل لا تمشي إلا على عكاز، ثم قد تعود بعدها لا تمشي إلا حبواً، ثم قد تصير بعد ذلك لا تستطيع الحراك، وقد ترهّلت عضلاتك، وضعفت قوتك، وذهب سمعك وبصرك، تذكّر تذكّر ـ أخي الشاب ـ أن الشباب وقت البناء الحقيقي، وقتٌ تستغله في طاعة الله، ووقتٌ تستثمره في عبادة الله، وأفضل سنين عمرك، فلا تُضيع الشباب.
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأولى لك؛ روى الحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، يقول عليه الصلاة والسلام: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك )، اغتنم هذه الخمس؛ فإنها إن ذهبت لا تعود، فمن يعيد لك الشباب؟.
أخي المبارك الكريم، هذا وقت العمل، فاستغله قبل أن يأتي وقت تتمنى لو تعمل لكن لا تجد، هذا وقت البذل، هذا وقت العطاء، هذا وقت التضحية، هذا وقت الفداء، فاستغل شبابك في طاعة الله عز وجل، فإنك عن هذه النعمة مسئول، وإنك بين يدي الله موقوف، إن وقفت ـ وربي ـ بين يدي الله لن تزول قدماك حتى تُسأل (لا تزولا قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه) لن تزول قدمك من عند الله (حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟) رواه الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، فهل أعددت لهذا السؤال جواباً؟ وهل أعددت لهذا الجواب صواباً؟ ستسأل سؤالاً عامًا عن جميع عمرك، وستسأل سؤالاً خاصاً عن شبابك، في ماذا ضيعت في الشباب؟ وماذا قدمت في سن الشباب؟ إن كنت عملت صالحاً لما كنت صغيراً؛ فحفظت القرآن، وزاحمت في المساجد، إن كنت عملت صالحاً لما أصبحت كبيراً؛ فلزمت بيوت الله، لكنك ماذا ستجيب إذا سئلت خاصة عن فترة الشباب؟ في أي شيء أبليت شبابك؟ ما الذي فعلت في هذه المرحلة؟ وفي أي جنب قصّرت؟ ماذا سيكون الجواب؟ تذكّر هـذا حتى تصنع له جواباً إذ ما زلت في فترة الشباب، وإلا فاعلم، كما أصبحت قوياً بعد ضعف، ستصبح ضعيفاً بعد قوة {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }الروم54، فاتقِ عليماً علم ما فعلت، واتقِ قديراً يعاقبك ويراقبك بما صنعت، واستعدّ ـ أخي في الله ـ لأن تصنع من شبابك طاعة لربك ومستقبلاً مشرقاً في العمل الصالح، استعد أن تخطط لهذا الشباب فيما ينفعك يوم القيامة إذا قمت بين يدي الله سبحانه وتعالى للحساب، هكذا ندم الكثير، لكن بعد أن أضاعوا الشباب، فاحرص ألا تكون منهم:
بكيت على الشباب بدمع عيني = فما نفع البـكاء ولا الـنحيب
فيا أسفاً أسـفت على شـبابٍ = نعاه الشيب والرأس الخـضيب
عريت من الشباب وكان غضاً = كـما يعرى من الورق القضيب
ألا ليت الشبـاب يعود يـوماً = فاخـبره بما فعـل المـشـيب
سيذهب -وربي- شبابك، وسيقرب -وربي - حسابك، فاتق الله عز وجل،
واعمل لجنةٍ غداً رضوان خازنها = الجار أحمد والرحمن بانيها
إن سألتم ـ يا شباب ـ عن قصورها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، وإن سألتم عن فراشها فالياقوت والمرجان، وإن سألتم عن تربتها فالزعفران، فهنيئاً لكم هذه الجنة، جنة لن يفنى فيها الشباب، ولن تبلى فيها الثياب، يقول عليه الصلاة والسلام: (الجنة بناؤها لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأزفر، وحصباؤها الياقوت والمرجان، وتربتها الزعفران) تخـيلوا جنة بهذا الوصف البـديع؛ لبنة ذهب ولبنة فضة وياقوت ومرجان، وتراب أرضـها الزعفران، يقول عليه الصلاة والسلام: (من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم)، اللهَ اللهَ - يا شباب - لنسير إلى هذه الجنة، لندخل من أبوابها، لنسابق أهلها، لنستبق درجاتها، فهناك الحياة الحقيقية، وهناك الشبيبة الحقيقية التي بها نسعد فلا نبأس، ونخلد فلا نموت.
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوصاكم أن تغتنموا سني الشباب، أوصاكم أن تعدوا سؤالاً خاصاً لفترة الشباب، ووعدكم عليه الصلاة والسلام جنة لا تبلى فيها الثياب، ولا يفنى فيها الشباب.