البحث
الشباب واستغلال الطاقات
أنتم طاقة، وأنتم عزيمة، وأنتم همة، فاستغلوا عمركم وشبابكم، ابنوا مستقبلكم، شقوا طريقكم، ليس العمل بالعيب، العيب أن تجلس بطالاً، وتسرق مال أهلك، العيب أن تجلس وتطلب الناس، العيب أن تنام النهار والناس يعملون، وتسهر الليل في التوافه، هذا هو العيب، العيب أنك شاب بلا مستقبل، أنك شاب بلا زوج، بلا بيت، بلا عمل، هذا ـ وربي ـ هو العيب، يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ طلع شابٌ من الثنية، فلما رأيناه رميناه بأبصارنا ـ يعني: نظرنا إليه وأحدقنا النظر إليه ـ فقلنا: لو أن هذا الشاب جعل شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله-كان يعمل ببعض العمل- قلنا: لو كان هذا الشباب جعل شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله، فقال عليه الصلاة والسلام: (وما سبيل الله إلا من قتل؟! من سعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، ومن سعى على صبية صغار فهو في سبيل الله، ومن سعى على نفسه ليعفها فهو في سبيل الله، ومن سعى مكاثراً فهو في سبيل الشيطان) فإذا سعيت لا تسعى فقط كما يسعى بعضهم؛ بعض الشباب ـ هداهم الله ـ يسعى يجمع مالاً ليشتري جوالاً، يسعى يجمع مالاً ليلبس لباساً حسناً، يسعى يجمع مالاً ليتفاخر بالأمور التافهة، إذا رأيته قد سرّح شعره وعطّف ثوبه واختال في مشيته وتردد في كلمته عبت عليه شبابه، وعبت عليه أن أنفق ماله في هذه التفاهات.
كن شاباً وكن رجلاً، اصنع لك مستقبلاً، وابنِ مجد أمتك، نريد العالم المسلم، نريد الداعية المحنك، ونريد الطبيب، ونريد المهندس، ونريد العامل، ونريد الساعي في الخير، نريدكم رجالاً تصنعون لنا مجد هذه الأمة، نريدكم قواداً تحققون نصرها بأيديكم وسواعدكم، يا شباب، ليس العمل بالعيب، لا ـ والله ـ ليس بالعيب، اسع في عمل طيب، وكوّن لك مستقبلاً، كوّن نفسك، وابنِ مجتمعك، وافتح بيتاً، وزد هذه الأمة أطفالاً، وسدّ جوعتهم، واكس عورتهم، حتى يستقيموا ويقوموا على طاعة الله عز وجل، نعم، اعمل وتصدق (لأن يأخذ أحدكم أحبله؛ فيأتي الجبل، فيجئ بحزمة حطب على ظهره، فيبيعها؛ فيستغني بثمنها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه) حتى لو تفعل هذا تحتطب وتبيع، فتنفع نفسك وتتصدق، كن إنساناً نافعاً، لا تكن إنساناً منتفعاً، انفع نفسك وتصدق في أبواب الخير.
أعرف شاباً قوياً فتياً، ويعمل حمالاً، لكني ما رأيت شاباً مثله، أجرته كل يوم، كل يوم ـ يا شباب ـ عشرة في المائة في باب من أبواب الخير، كل يوم يقول: آتي بها إلى الصندوق، وأخرج عشرة في المائة في باب الصدقة، وأضع الباقي في صندوقي، قال: أنفقت كذا وكذا من المال، وكل ما يزداد الربح ـ سبحان الله! ـ تزداد الصدقة، حمّال، يا إخوان لكنه رجل ـ وربي ـ رجل، نفع نفسه وقام بنفسه، ونفع الناس، قال: ولما زاد الله مالي، نعم سيزيد الله ماله، و هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ قال: صرت أتصدق الآن بخمسة عشر بالمائة كل يوم، ما أضعها في الصندوق حتى أخرجها في الصدقة لوجه الله عز وجل، وأنت كن كذلك، كن عاملاً نافعاً، انفع الإسلام ولو بشيء يسير، ولو بعمل بسيط، والله لن ينساه الله لك، والله إننا نحتاج ولو أن تقوم في المسجد؛ فتكنس فتقدم لنفسك عملاً طيباً، إن امرأة كانت تقُـم المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي رواية: أنه شاب، فماتت أو مات، فسال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها أو عنه، فقالوا: مات، فقال عليه الصلاة والسلام: (أفلا آذنتموني؟) أفلا أخبرتموني؟ فكأنهم حقّروا وصغّروا أمره، شابٌ كان يقُم المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم: (دلوني على قبره) فذهب، وصلى على قبره صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
مهما كان عملك، فقدّم شيئاً للإسلام ولو يسيراً، قدّم شيئاً للدين ولو قليلاً، ولا تحتقرن من المعروف شيئاً ولو أن تبتسم في وجه أخيك، ولا تحتقرن من المعروف شيئاً ولو فرسن شاه، واتق النار ولو بشق تمرة.
هذه كانت من وصايا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكم ـ يا شباب ـ أوصاكم بأعماركم؛ فاغتنموا شبابكم فإنكم مسئولون، ووجّهكم صلى الله عليه وسلم إلى طريق العفة، واتقاء الشهوات، ووعدكم الجنة، فابشروا وأملوا، استعدوا لذلك بالزواج، وأكثروا من الصيام، وغضوا أبصاركم عن الحرام، أمركم عليه الصلاة والسلام أن تجعلوا عواطفكم لله؛ فتكثروا من عبادته وطاعته والاجتماع عليه؛ فلا تغركم قوتكم ولا طاقتكم، ودكوا بها الباطل، واحملوا أمر هذا الدين بقوة { خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} الأعراف171، كونوا من أهلها وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، أيها الشاب، اسعَ على نفسك وعلى أهلك، وابنِ لك مستقبلاً، ولا تنسَ فعل الخير، فإنك مجزيٌ عنه.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا وإياك لطاعته، وأن يجنبنا وإياك معاصيه، وأن يهدينا وإياك سبل السلام، اللهم يا ربنا يا مولانا يا رحيم، يا ربنا يا مولانا يا كريم، قرعنا ببابك مذنبين، ولُذنا بجنابك عائدين، نرجو مثوبتك، ونطلب مغفرتك، اللهم فلا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا شاباً إلا أصلحته، ولا أعزباً إلا زوجته، ولا تائباً إلا قبلته، يا ربنا يا مولانا يا رب العالمين، اللهم لا تعذّب قلوباً تشتاق للقائك، ولا ألسناً تحدّث عنك، ولا أعيناً تشتاق للنظر إلى وجهك الكريم، لا إله إلا أنت سبحانك إن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، لا إله إلا أنت سبحانك أنت مولانا؛ فانصرنا على القوم الكافرين.