البحث
الشباب ونيران الشهوات
ووصيتكم الثانية من هدي رسولكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتسلكوا الجنة العالية، أقف وإياكم فيها حول أمر يهمكم، وموضوع يشغلكم: الشباب ونيران الشهوات:
استـعرت بهم من كل مكان، وازدحمت عليهم من كل خطب وحدب، حتى صار الشاب إذا نظر ببصره وقع على الحرام، وإذا أطرق بسمعه سمع الحرام، وإذا خلا توارثت على قلبه أفكار الحرام، وخيالات المعصية والآثام.
أصبح كثير من الشباب ـ للأسف ـ يوقد بنار الشهوة، فلا يستطيع أن يطفيها، ولا يجد سبيلاً لأن يدفعها، وما ذاك ـ للأسف ـ إلا لأنهم أعرضوا عن وصية الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتوجيهه.
أخي الشاب المتعفف، والله ما نعجب من شاب أرقته الشهوة، فالأصل في الشاب أن يكون متوقد الشهوة، لكن إن ربك ليعجب من شاب لا صبوة له، هذا الشيء العجيب الذي خرج عن أقرانه، وأما الشاب الذي يُسعر بنيران الشهوات وتطارده هذه الإغراءات، فالأمر ليس عليه بعجيب، لا، ليس بعجـيب، لكن السـؤال: ما هو السبيل الذي يواجه به الشاب سعار الشهوات التي تتخطفه من كل مكان؟ نعم ـ أخي الشاب ـ لا نظنك أبداً مخصياً، ولا تسعى لذلك، بل يجب أن تبقى فيك نيران الشباب حتى تصنع لنا أجيال النصر، وحتى تبني لنا فتية يرفعون راية الله الملك العلام، وينشرون سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، جاء أبو هريرة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما أخرج هذا الإمام النسائي رحمه الله تعالى بسند صحيح، قال: " يا رسول الله، إني رجل شاب قد خشيت على نفسي العنت، ولا أجد طولاً أتزوج النساء؛ أفأختصي، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال ثلاثًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:( يا أبا هريرة، جف القلم بما أنت لاقٍ؛ فاختص على ذلك أو دع) ما رضي له صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك، بل أعرض عنه، وأعرض عن سؤاله عليه الصلاة والسلام؛ لأننا نعلم أنه لابد أن يواجه الشاب حرباً من نيران الشهوات، ولابد أن يجد الشاب أسباباً تدعوه لمثل هذه الملذات، وهنا يظهر الإيمان، وهنا يُبحث عن العلاج، وهنا تأتي وصايا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أخي الشـاب المؤمن، لا أقول هذا تبريـراً لما قد يحدث منك من زنى البصر، أو زنى السمع، أو زنى القلب الذي يشتهي ويتمنى الحرام، أو- والعياذ بالله من كبيرة الذنب- أن تقع في زنى الفرج، لكني أقول لك ذلك لكي تعلم أنك في حرب لو انتصرت فيها دخلت الجنة إي وربي دخلت الجنة، يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنه وعن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم: (يا شباب قريش، احفظوا فروجكم؛ لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة) رواه الحاكم والبيهقي، وفي رواية للبيهقي يخاطبكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويخاطب أمثالكم يقول عليه الصلاة والسلام: (يا فتيان قريش، لا تزنوا؛ فإنه من سلم له شبابه دخـل الجنة) اسمعها مرة أخرى إن سلم شبابك من الحرام، إن سلم شبابك من الوقوع والتلطخ في هذه الآثام، إن مرت فترة شبابك وفترة صبوتك على ما أمرك الله، وعلى ما حثك رسول الله فأبشر وأمّل (ألا من حفظ فرجه فله الجنة) (من سلم له شبابه دخل الجنة) هكذا يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم،
أبشروا ـ معاشر الشباب خاصة ـ إذا جاء الناس يوم القيامة، ودنت منهم الشمس، ورشح بهم العرق، واشتد عليهم الزحام، جاء الشـاب العفيف في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، وسبعة وأي سبعة؟ سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، يقول عليه الصلاة والسلام اسمع للمواجهة، وانظر للتحدي، ثم فجّر في نفسك الإيمان، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (.. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال) دعته في التلفاز وقالت: هيت لك، ودعته في الغناء وقالت: هيت لك، وتعرّضت له في الشارع وقالت: هيت لك، واتصلت عليه بالهاتف وقالت: هيت لك، وزينها في عينه أصحاب السوء..، لكنه قال أتدرون ماذا قال؟ (فقال: إني أخاف الله) كلمة عظيمة، وزنها الله سبحانه وتعالى بموازين الفضل، فجعل صاحبها في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، هنيئاً لك هذه المكانة، وهنيئاً لك هذه المنزلة { يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ{88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } الشعراء 88 - 89، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً}آل عمران30، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ}عبس34، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}الانفطار19، هنيئاً لك أن جعلك الله سبحانه وتعالى في هذا المكان العظيم، وفي هذا المنزل الكريم، فاحفظ شبابك عن الحرام، وصن فرجك عن الآثام، وأبشر فقد وعدك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجنة.
معاشر الشباب، أتريدون السبيل لهذا والعلاج الذي يعصمكم الله به من مرض الشهوات؟ اسمعوا لوصية رسولكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول علقمة رحمه الله تعالى: " كنت أمشي مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بمنى، فلقيه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقام معه يحدثه، فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا أزوجك جارية شابة؛ فلعلها أن تذكرك بعض ما مضى منك، فقال عبد الله: أما لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم فإنه له وجاء )، هذه هي وصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، شكوت من عينيك؟ ما تستطيع أن تغمضها عن الحرام؟ خفت على فرجك أن يقع في المعصية والآثام؟ فهاك السبيل (من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر) يجعلك تغض بصرك، (وأحصن للفرج) يجعلك تحصن فرجك، نعم - أخي الشاب - اسعَ للزواج بقدر ما تستطيع، فليس لهذا الزمان مثل الزواج، حتى إذا رأيت ما رأيت وثارت في نفسك نيران الشهوات، توجهت إلى أهلك؛ ذهبت إلى زوجك، فأطفأت ما في جوفك، ووجدت عند زوجتك ما عند هذه وهذه وهذه.
أخي الشاب، لن تجد أبداً مثل الزواج، وحتى الصوم، وإن كان هو العلاج الثاني، لكنه ليس مثل الزواج، نعم، ليس الصوم مثل الزواج، حتى الصائم قد تدفعه نفسه أحياناً للحرام، جاء شاب إلى رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: يا رسول الله، اقبل وأنا صائم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا) ثم جاء شيخ، فقال: يا رسول الله، أقبل وأنا صائم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (نعم) قال: فنظر بعضنا إلى بعض، فقال عليه الصلاة والسلام:(إن الشيخ يملك نفسه) أما الشاب ـ ولو كانت زوجته ـ لكننا نخاف إذا قبلها وهو صائم ثم داعبها وهو صائم، ثم لاعبها وهو صائم أن يقع في الحرام، فيجامعها وهو صائم ـ والعياذ بالله ـ.
أخي في الله، إن الصوم يضعف الشهوة، ويقلل جريانها في الدم، وخصوصاً إذا صمت صياماً حقيقياً؛ فصمت عن الطعام، وصمت عن النظر إلى الحرام، وصمت عن سماع الحرام، وصمت عن الجلوس في مجالس تذكرك بالحرام، يومها إذا صمت هذا الصيام، فأبشر بأنك ستترك سبل الحرام، فاحرص ـ بارك الله فيك ـ احرص على الصوم إلى أن تتزوج، واحرص على الزواج بأسرع ما تستطيع، اجمع له مالاً بأسرع ما تستطيع، ادّخر من ملذاتك، ادّخر من زينتك، واجمع ـ سريعاً ـ للزواج، تنازل عن بعض شروطك، تنازل عن بعض رغباتك في زواجك؛ لتتزوج سريعاً، اقنع أهلك بما تستطيع، حثّهم على ذلك، ذكّرهم بالله، أرسل لهم الرسول بعد الرسول، تزوج مع غيرك، افعل ما تستطيع، فكّر بجد، ستأكلك نيران الشهوات، إن لم تعتصم بوصية الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج).