البحث
والعلاج الثالث، والوصية النبوية الكريمة
أن تغض بصرك عن الحرام: ما بالك ـ أخي في الله ـ تأتينا تشتكي أنك لا تستطيع أن تمسك نفسك من الزنا ـ والعياذ بالله ـ إلا أن تفعل الحرام؛ تفعل العادة السرية، ألم يكن هناك سبيل غير هذا؟ لماذا لم تكف بصرك الذي دعاك لهذا الأمر عن الحرام؟ غضّ بصرك عن الحرام، غض سمعك وجنب سمعك الحرام، لماذا تستمع ليلاً ونهاراً لأغاني المجون والفسق؟ لماذا تنظر، ولو للقطات سريعة، لكنها لقطات تعري وإباحة وفاحشة؟ لماذا تفعل هذا؟ ثم تتعجب أن نفسك دعتك للحرام! اتقِ الله عز وجل، إن شاباً نظر إلى شابة فدفعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم دفعاً شديداً فسئل عن ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (رأيت شاباً وشابة فلم آمن من الشيطان عليهما) فكيف أمنت على نفسك وأنت تنظر هذه الصور الخليعة الماجنة؟ كيف أمنت أنت على نفسك وأنت تجلس مع شباب يزينوا لك الخطيئة والرذيلة؟ كيف أمنت على نفسك؟ وقد زنيت ببصرك، ثم زنيت بسمعك، ثم أنت تزني بقلبك؛ فإذا نمت فكّرت في الحرام، وإذا خلوت فكرت بالحرام، وإذا جلست مع أصحاب السوء خططت وعزمت على الحرام، فاتق الله عز وجل، فإن الفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه، فكذّب هذا بعفة فرجك عن الحرام، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة؛ فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)، متفق عليه، وفي رواية لمسلم: (فالعينان زناهما النظر- وقد زنيت أخي الشاب بنظرك- والأذنان زناهما الاستماع - وقد استمعت وزنيت إن لم تتق الله بإذنك- واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه)، فاحفظ فرجك عن الحرام بوصايا رسولك صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
يا شباب الإسلام، هاكم من أخبار شباب الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ولو كانوا في ذلك الزمان، أتظنون أنهم ما يخطر عليهم الحرام؟! وما تحدّث بعضهم نفوسهم بالحرام؟، بلى، لكنهم خطموها بطاعة الله، وألزموها بتقوى الله، واستوصوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوصّاهم، وسألوا رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأرشدهم ووجهم، وإليك هذه الوصية العظيمة: عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: إن فتاً شاباً أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، انظر إلى أي درجة بلغ به الأمر، انظر ماذا يسأل، بلغ به الأمر كل مبلغ، لكنه قبل أن يفعل شيئاً من هذا ذهب يستوصي أنصح ناصح، ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أخي في الله، ما كان محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليأذن لأحد مهما كان بالزنا، لكن وصّاه وأرشده، وفي العفة والخير سبيل كفاية، لكل من أراد له الشيطان أن يقع في الغواية، قام الناس يزجروه قالوا: مه مه، لكن رسولنا عليه الصلاة والسلام قال: (ادنُ) فأدناه منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقرّبه منه عليه الصلاة والسلام، هكذا كان رسولنا عليه الصلاة والسلام يحتفي بالشباب، ويقرب الشباب، ويدني الشباب، هكذا كان عليه الصلاة والسلام يسمع مشاكل الشباب، ويحلّها لهم، قال:( ادنُ مني) فدنا الشاب من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتخيل نفسك ـ يا شاب الإسلام ـ الآن يا من تحدثك نفسك بالحرام، تخيل نفسك الآن بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، ماذا ستقول له؟ أو ماذا سيقـول هو لك؟ أتـدرون ماذا قال له صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال له: (أتحبه لأمك؟) أجب ـ أيها الشاب ـ أجب يا من لعلك فكرت في الزنا ـ والعياذ بالله ـ أتحبه لأمك؟ أتحبه أن يقع في أمك؟ أتحب أن تكون أمك زانية؟ قال: لا، جعلني الله فداءك يا رسول الله، قال له صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والناس لا يحبونه لأماتهم) فقال: (أتحبه لبنتك؟) قال: لا جعلني الله فداءك يا رسول الله، قال: (والناس لا يحبونه لبناتهم) انظر كيف فجّر فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الغيرة، حتى يغار على عرضه؛ لأن الزنا دين، اعلم أن الزنا دين، تزني ببنات الناس، ويُزنى ببناتك، وتزني بأمهات الناس، ويُزنى بأمك، فاتق الله سبحانه، قال: (أفتحبه لأختك؟) قال: لا جعلني الله فداءك، قال: (والناس لا يحبونه لأخواتهم، أفتحبه لعمتك؟) فكّر في هؤلاء قبل أن تفكّر في الزنا؛ فكّر في هؤلاء (أفتحبه لعمتك؟) قال: لا جعلني الله فداءك، ثم وضع صلى الله عليه وعلى آله وسلم يده على صدره، وقال: (اللهم اهدِ قلبه، وحصّن فرجه، واغفر ذنبه) فكان هذا الشاب بعدها يمضي ولا يلتفت إلى شيء، لم تعد تؤثر فيه الشهوات؛ لأن رسوله عليه الصلاة والسلام أوقد في نفسه نيران الغيرة، فأطفأت من حوله نيران الشهوة، لم يعد هذا الشاب يلتفت بعدها للحرام؛ لأن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكّره بأمر عظيم، ذكّره أنه يحب هذا الدين، ويفدي الرسول عليه الصلاة والسلام ويفدي الإسلام بنفسه وماله، فكيف وقد باع نفسه لله؟ كيف يفكر بعد ذلك أن يوبق نفسه في معصية الله؟.
أخي في الله، كن كهذا الشاب؛ شاب عاهد نفسه كلما نظرت وسرقت إلى الحرام أن يغمضها، ثم يقول خمس مرات: أشهد أن لا إله إلا الله، يتذكّر العهد والعقد الذي بينه وبين ربه، فيهون عليه الحرام، فيزول عنه التفكير في الإثم والمعصية؛ لأنه تذكّر رباً علاماً، وتذكّر إلهاً يأخذ بالذنب والمعصية فتذكّر ذلك، وتذكّر حتى لو وقعت في الحرام، وحتى لو تلطّخت بالخطيئة، أنك لست بالمعصوم، ولا نطالبك أبداً أن تكون معصوماً، قد تكون وقعت - للأسف - في ساعة ضعف في هذا الحرام، فكن شجاعاً وأقبل على الله، وكن شجاعاً وتب إلى الله، وأعلنها بشجاعة وصدق توبة صادقة إلى الله، قاطع كل الأسباب التي دعتك للحرام، وفارق كل الأصحاب الذي شجعوك على الحرام، وخالط رفقة طيبة، واسلك سبيل الخير.
واسمع لخبر شاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه امرأة مرت بالسوق في عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكانت تحمل صبياً لها، صبياً من الزنا، فثار عليها الناس، حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال لها عليه الصلاة والسلام: (من أبو هذا معكِ؟) فقال شاب حذوها: أنا أبوه، يا رسول الله، فأقبل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (من أبو هذا معكِ؟) فقال الشاب ثانية: أنا يا رسول الله، فنظر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه، فقالوا: ما علمنا إلا خيراً، فقال له صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أحصنت؟) قال: نعم، فأمر به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فرجم، قال: فخرجنا به، فحفرنا له حتى أمكنا، ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ؛ حتى مات، وهذا حد الزاني المحصن المتزوج، ثم جاء رجل يسأل عن هذا المرجوم، فقلنا: يا رسول الله، إن رجلاً جاء يسأل عن ذاك الخبيث، فقال عليه الصلاة والسلام: (لهو أطيب عند الله من ريح المسك) التائب حبيب الرحمن، التائب يحبه الله، التائب يقربه الله سبحانه، إي والله، أي دمعة أصدق من دمعة تائب سالت لوجه الله؟ فمسحت الخطيئة، وأزالت المعصية، التائب من الذنب كمن لا ذنب له، العائد إلى الله ذاك الشاب الذي فرح الله بتوبته، وأكرم الله سبحانه وتعالى أوبته، فأقـبل - أخي المبارك- إلى الله بتوبة صادقة، واستقبل ما بقي من شبابك بعودة لله راشدة، وأبشر وأمل {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ } تدرون لماذا لا تقنطوا من رحمة الله؟ { إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}الزمر53، (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون، فيغفر الله لهم) أخي التائب، قد سمّى الله نفسه غفاراً، قد سمى نفسه عفواً براً رحيماً، فاسترحم الله الرحيم يرحمك؟ واستغفر الله الغفور يغفر لك؟ وابشر وأمل، وعد إلى الله، واستقبل عهداً جديداً، وميلاداً سعيداً، كان التائبون أمثالك، بل أسوأ، ثم أصبحوا أئمة، وأصبحوا دعاة، وأصبحوا علماء، وأصبحوا عباداً، وهذه قوافل العائدين، وقصة التائبين الأوابين تحدثك عن أخبارٍ وأخبار، وتشجو إليك بأسرارٍ وأسرار، فكن منهم، واسلك سبيلهم، وحصّن فرجك بالحلال، وحصن قلبك بطاعة الله الكبير المتـعال.