1. المقالات
  2. بصائر في السيرة النبوية ( محمد حسين يعقوب ))
  3. (بصائر) عرض الإسلام على القبائل والافراد..

(بصائر) عرض الإسلام على القبائل والافراد..

الكاتب : محمد حسين يعقوب

1- بعد كل محنة، لقد عانى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الوانا كثيرة من المحن لاقاها من قريش، وكان آخر ما عاناه لدى هجرته الى الطائف، ولقد ظهر في دعائه الذي ناجى به ربه بعد أن جلس يستريح في بستان ابني ربيعة ما يتعرض له كل بشر من الشعور بالضعف والحاجة الى النصير؛ فجاءت ضيافة الاسراء والمعراج من بعد ذلك تكريما من الله تعالى له،  وتجديدا لعزيمته وثباته، ثم جاءت دليلا على هذا الذي يلاقيه (صلى الله عليه وسلم) من قومه ليس بسبب ان الله قد تخلى عنه، او انه قد غضب منه، وإنما هي سنة الله مع محبيه ومحبوبيه، وهي سنة الله في جميع خلقه لكل من تصدى للدعوة الى الله في كل عصر وزمن. 

2-إن في الاقتران الزمني بين إسرائه (صلى الله عليه وسلم) الى بيت المقدس والعروج به الى السماوات السبع؛ حكما ودلالات وفوائد منها: 

*مدى ما لهذا البيت من مكانة وقدسية عند الله تعالى.

*وفيه دلالة واضحة أيضا على العلاقة الوثيقة بين ما بعث الله به كلا من عيسى بن مريم ومحمد بن عبد الله (عليه والسلام) وعلى ما بين الأنبياء من رابطة الدين الواحد الذي ابتعاثهم الله (عزو جل) به. 

*أهمية المسجد الأقصى لدى المسلمين؛ إذ أصبح مسرى رسولهم ومعراجه الى السماوات العلا. 

*وفيه دلالة على مدى ما ينبغي ان يوجد لدى المسلمين في كل عصر ووقت؛ من الحفاظ على هذه الأرض المقدسة، وحمايتها من مطامع الدخلاء واعداء الدين، وكأنها رسالة لمسلمي هذا العصر الا يهنوا ولا يجبنوا ولا يتخاذلوا امام عدوان اليهود على هذه الأرض المقدسة، وان يطهروها من رجسهم ويعيدوها الى أصحابها المؤمنين. 

3- في اختيار النبي (صلى الله عليه وسلم) اللبن على الخمر حينما قدمهما له جبريل (عليه السلام) دلالة رمزية على ان الإسلام هو دين الفطرة، أي الدين الذي ينسجم في عقيدته وأحكامه كلها مع ما تقتضيه نوازع الفطرة الإنسانية الاصيلة؛ فليس في الإسلام شيء يتعارض مع الطبيعة الاصيلة في الانسان ولو ان الفطرة كانت جسما ذا طول وابعاد؛ لكان الدين الإسلامي الثوب المفصل على قدره، وهذا من أهم أسرار سرعة تقبل الناس له وسعة انتشاره؛ إذ الانسان مهما ترقى في مدارج الحضارة وغمرته السعادة المادية، فإنه يظل نزاعا الى استجابة نوازع الفطرة لديه، والإسلام هو النظام الوحيد الذي يستجيب لأعمق نوازع الفطرة البشرية.

4- كان الاسراء والمعراج بالروح والجسد معا، على ذلك اتفق جمهور المسلمين من المتقدمين والمتأخرين، ولا يعول على من قال بأن الاسراء كان بروحه، وأنه رؤيا منام؛ إذ لو كان الاسراء مناما لما كانت فيه أية معجزة ولما استبعده الكفار ولا كذبوه

5- إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان مقبلا على مرحلة جديدة، مرحلة الهجرة، والانطلاق لبناء الدولة، يريد الله تعالى للبِنات الأولى في البناء ان تكون سليمة قوية متراصة متماسكة؛ فكان هذا التمحيص والاختبار؛ ليخلص الصف من الضعاف المترددين، والذين في قلوبهم مرض، ويثبت المؤمنون الأقوياء.

6- ان شجاعة النبي (صلى الله عليه وسلم)  العالية تتجسد في مواجهته للمشركين بأمر تنكره عقولهم، ولم يمنعه من الجهر به الخوف من مواجهتهم وتلقي نكيرهم واستهزائهم؛ فضرب بذلك لأمته أروع الأمثلة في الجهر بالحق أمام الباطل، وان تحزبوا ضد الحق، وجندوا لحربه كل ما في وسعهم.

7- يظهر إيمان الصديق القوى العميق في هذا الحدث الجلل، وفضله العظيم وسبقه في الإسلام، فعندما أخبره الكفار قال (رضي الله عنه) بلسان الواثق: لثن كان قال ذلك لقد صدق، أني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء؛ وبهذا استحق لقب الصديق. 

8- إذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد استوعب الظاهرة القرشية واستعد لها، فعليه ان يحلل الظاهرة اليهودية ويستعد لها؛ فاليهود ليسوا مجرد أمة تاريخية كعاد وثمود، تورد أخبارها للإرشاد والاعتبار؛ وإنما هم أمة لها حضور كثيف في الواقع العربي الذي يعيش فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويتحرك فيه لإقامة دولة الإسلام، فقد كانوا يشكلون فوق مكانتهم الاقتصادية مركز سلطة فكرية؛ وطلب المعجزات، ووضع الشروط لصدق الرسل وصحة الرسالات، فإذا كانت قريش تستخدم الكعبة لمحاربة الإسلام؛ فإن اليهود قد كانوا يستخدمون التوراة لمحاربة القرآن، وإذا كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يتوقع معركة مع قريش، فعليه ان يتوقع معارك مع اليهود. 

لذا كان لقاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع موسى (عليه السلام) حافلا ومتكررا، ما بين سلام، الى نصائح، الى بث الخبرة، مع رؤيته (صلى الله عليه وسلم) لموسى (عليه وسلم) وهو يصلي في قبره، كل ذلكم ليتعرف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على نبي اليهود ويستفيد من خبرته؛ ليتعامل معهم بعد ذلك عن واقع، ولذلك امتلأ القرآن بذكرهم والاخبار عن أحوالهم مع أنبيائهم. 

ثم.... تعال معي- اخي الحبيب- لننتقل مع السيرة النبوية نفلة جديدة...   


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم