1. المقالات
  2. كيف نخدم السنة النبوية؟
  3. هل السنة النبوية محفوظة من الضياع

هل السنة النبوية محفوظة من الضياع

659 2021/03/23 2024/12/18

لقد بعث الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهُدَى ودين الحق ، وأنزل عليه كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأمره بتبليغه إلى الناس كافة ، وتَكَفَّلَ سبحانه بحفظ هذا الكتاب ، فقال :

( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).

وقد وَكَلَ إلى نبيه صلى الله عليه وسلم مهمة البيان للقرآن ، فقال عز وجل :

( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

، وقال:

( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

فقامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خير قيام : يُفَصِّلُ مُجْمَلَهُ ، ويُقَيِّدُ مطلقه ، ويشرح ألفاظه ، ويُوَضِّحُ أحكامه ومعانيه ، فكان هذا البيان منه صلى الله عليه وسلم هو سُنَّتَه التي بين أيدينا .

ولما كان هذا البيان منه صلى الله عليه وسلم بياناً لكتاب الله ، فإنه كان مؤيداً في ذلك من الله عز وجل ، وكانت سُنَّتُه وحياً من عند الله ، كما قال سبحانه وتعالى :

( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى).

قال ابن حزم الظاهري : " فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي ، والوحي بلا خلاف ذكر ، والذكرُ محفوظ بنص القرآن .

فصح بذلك أن كلامَه صلى الله عليه و سلم كلُّه محفوظ بحفظ الله عز وجل ، مضمونٌ لنا أنه لا يضيع منه شيء ، إذ ما حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء ، فهو منقول إلينا كله ". انتهى ، "الإحكام في أصول الأحكام " (1/95).

وقال : " والذِّكْرُ اسم واقعٌ على كلِّ ما أنزل الله على نبيِّه : من قرآنٍ ، أو سُنَّةٍ ". انتهى ، "الإحكام في أصول الأحكام" (1/115).

قال ابن القَيِّم : " فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّينِ كُلِّهِ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَكُلُّ وَحْيٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ ذِكْرٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ .

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :

( وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)

فَالْكِتَابُ : الْقُرْآنُ ، وَالْحِكْمَةُ : السُّنَّةُ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

( إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ)

، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُوتِيَ السُّنَّةَ كَمَا أُوتِيَ الْكِتَابَ ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ ضَمِنَ حِفْظَ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ ؛ لِيُقِيمَ بِهِ حُجَّتَهُ عَلَى الْعِبَادِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ ". انتهى ، " مختصر الصواعق المرسلة" (2/371) .

وإن من مظاهر هذا الحفظ لسنته صلى الله عليه وسلم : ما قام به علماء الإسلام وجهابذته من جهد ظاهر ، وعمل دؤوب مُضْنٍ ، في سبيل جمع هذه السنة وتدوينها ، ووضع القواعد التي تضبط روايتها ، وتحدد قبولها من ردها ، وتمحص أحوال نقلتها ورواتها .

فالسنة تكفل الله بحفظها عن طريق هؤلاء الرواة الذين سخرهم لحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ ابن رجب : " فأقامَ اللّهُ تعالى لحفظِ السُّنَّةِ أقواماً ميَّزوا ما دخلَ فيها من الكذبِ والوهم والغلطِ ، وضبطُوا ذلكَ غايةَ الضبطِ ، وحفظوه أشدَّ الحفظِ ". انتهى ، "تفسير ابن رجب الحنبلي" (1/605).

والحاصل : أن السنة محفوظة من الضياع ، وكل ما تحتاجه الأمة منها قد نقله العلماء وحفظوه في الصدور والسطور .

وعلى الرغم من الكم الهائل من الكتب التي تم إتلافها على أيدي التتار في بغداد ، إلا أن هذا لم يؤثر على حفظ السنة شيئاً ، فالسنة النبوية محفوظة في صدور العلماء قبل كتبهم ، فضلا عن انتشار كتب الحديث ونسخه في كافة أصقاع العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه.

تم الاستفادة من كتاب : " ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة" (1/327) لجمال السيد ، وكتاب : " الحديث حجة بنفسه" للشيخ الألباني .

غير أنه ينبغي التنبيه هنا إلى أمرين :

الأول : أنه ليس معنى ذلك أن كل كلمة قالها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، فقد حفظت ونقلت لنا ، وهي بين أيدي الناس الآن ، بل المراد أن كل ما يحتاجه الناس في أديانهم من أحكام وشرائع ، فهي محفوظة بحفظ الله ، لم يضع منها شيء .

الثاني : أنه ليس معنى ذلك أن كتابا واحدا قد ضمها ، أو ضم الميسور في أيدي الناس منها ، أو أن عالما واحدا قد جمعها وحواها ، حتى لا يخفى عليه منها شيء ؛ بل المراد أن علم جميعها موجود في الأمة ؛ فإذا ذهب علم شيء منها على عالم ، وجد عند غيره ، وإذا خفي في بلد ، ظهر في غيره

المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day