البحث
وكان صلى الله عليه وسلم يتأثر إذا رأى الحاجة في وجوه بعض أصحابه أو هيئتهم
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار، أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل، ثم خرج، فأمر بلالاً، فأذن، وأقام، فصلى، ثم خطب، فقال: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَٰحِدَةٍۢ } إلى النساء أخر الآية { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] والآية التي في الحشر: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍۢ ۖ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ ۚ } [الحشر]، "تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره". حتي قال: "ولو بشق تمرة". قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
قال النووي: "أما سبب سروره صلى الله عليه وسلم ففرحاً بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى، وبذل أموالهم لله، وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين، وشفقة المسلمين بعضهم على بعض، وتعاونهم على البر والتقوى.
وينبغي للإنسان إذا رأى شيئاً من هذا القبيل أن يفرح، ويظهر سروره، ويكون فرحه لما ذكرناه".
من فوائد الحديث
فيه: الحث على الابتداء بالخيرات، وسن السنن الحسنات.
وفيه: التحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات.
والسنة الحسنة على نوعين:
الأول: أن تكون السنة مشروعة، ثم يترك العمل بها، ثم يجددها من يجددها، مثل قيام رمضان بإمام.
والثاني: أن يكون الإنسان أول من يبادر إلى فعل ما جاء به الشرع، مثل حال الرجل الذي بادر بالصدقة حتى تتابع الناس، ووافقوه على ما فعل.