البحث
الحديث الثلاثون: نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها
الحديث الثلاثون: نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها
عن جبير بن مطعم -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول بالخيف، خيف منى: نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحيط مَنْ وراءهم أخرجه أحمد وابن ماجه والطبراني .
نضّر ويقال نضر، والروايتان صحيحتان من النضارة، نعمه، حسنه؛ ولهذا ترى نضارة في وجوه أهل السنة، أذكر عبارة نذكرها للفائدة لشيخ الإسلام في كتاب الاستقامة، يقول: ووجوه أهل السنة كلما تقدمت بهم العمر تزداد نضارة ووضاءة، ووجوه أهل البدعة، كلما تقدمت بهم السن تزداد قبحا وظلمة، حتى بلغنا بالتواتر أن بعضهم يمسخ كوجه خنزير أو قرد أو كلب عياذا بالله، نضر الله امرأ سمع مقالتي، فيه التثبت من النقل عن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، التثبت فيما ينقله الإنسان وينسبه إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
وقوله فوعاها وحفظها فيه أن الانتفاع بالعلم لا يكمل إلا بالعمل به، وبفهمه، إما بالسؤال أو بالبحث في كلام أهل العلم، وقوله: ثم أداها إلى من لم يسمعها فيه فضل تبليغ العلم، وأن من مهام طالب العلم أن يعلم ويعمل، ويدعو ويصبر، ولهذا جاء في المسائل، الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، اعلم أنه يجب لتعلم المسائل العلم والعمل والدعوة والصبر، بهذا يكمل لطالب العلم المبتغى والمراد.
وقوله فرب حامل فقه غير فقيه فيه أن مجرد حفظ النصوص لا يكفي، بعض الناس وعاء، حافظ، يسرد الأحاديث سردا لكن لا يفقه المعاني، وهو مشكور إذا لم يتجاوز إلى ما ليس له به علم، لكن يُحثّ على التزود من فهم هذه الأحاديث، وقوله: ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه فيه التأكيد على ما سبق، وفيه أيضا فضل نشر العلم، وأن من فوائد نشر العلم أن يكون المبلَّغ مفيدا للمبلِّغ، قد تحفظ حديثا من سنين عددا، ثم إذا قرأته أو سمعته عند أحد ربما يذكر لك فيه فوائد أنت لا تعلمها من قبل هذا.
وقوله: ثلاث لا يُغَلّ وقيل يغِلُّ وقيل يغِلُ، وكلا الألفاظ صحيح، ومعناها تدور حول لا يكون فيه حقد ولا شر، ولا خيانة في هذه الخصال الثلاثة، إخلاص العمل لله الشر أن يكون في الإخلاص رياء وحب ظهور، أو أن يكون العمل لغير الله بالكلية عياذا بالله، والنصح لأئمة المسلمين، الناس في الولاة على أقسام ثلاثة: قوم لا هم لهم إلا القدح صباح مساء، لو أحسن الولاة ذمهم هؤلاء وجعلوا إحسانهم بقصد الشر، ولو أساء الولاة زادوا النقد والذم، وقسم لا هم لهم إلا المدح إن أساء الولاة وأخطئوا التمس ألف عذر وبرأهم، وإن أحسنوا بالغ في مدحهم، والأمران نقيضان على طرفي نقيد.
أما المنهج الحق، هو منهج أهل السنة والجماعة، عدم الحقد عياذا بالله، وعدم تمني الشر لهم، بل الفرح بخيرهم، والبغض لشرهم مع السعي في الأساليب الشرعية لإصلاح الخلل، أما التهييج والتحريش وإشاعة الفوضى فهذا يأتي بالشر ولا يأتي بالخير؛ ولهذا تجد أهل العلم وأهل السنة يركزون على هذا الأمر لعظم التفريط فيه، قال شيخ الإسلام: الحق حقان: حق لله، وحق للعباد، حق الله إفراده بالعبادة.
وحق العباد ينقسم إلى قسمين: حق خاص وحق عام، الحق الخاص: لك أنت مع أولادك وأهل بيتك وجيرانك، والحق العام: حق للولاة الرعاة، حقوق الرعية لعموم المسلمين، حقوق الولاة أن تلزم فيهم النص الشرعي، المناصحة الشرعية بالمكاتبة، بالمهاتفة بالمشافهة، بالزيارة، بإبلاغ أهل العلم، بالدعاء لهم، قال البربهاري: إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب بدعة، ومع الأسف الشديد تأتي أحاديث تجمع الإخلاص لله والنصح ولزوم الجماعة، فتجد أن لحظ خصلة الولاة تبخس من حقهم، هذا من الجهل، أنت تتقرب إلى الله بأن هذه النصوص شرعية، لا تقدح ولا تمدح، ولكن الشرع ميزان الأمور كلها وشاهد لفرعها وأصلها.
فطالب العلم يرى أهل السنة، الإمام أحمد يجلد، وترفع المبتدعة راية الاعتزال، وتجبر الأمة على القول بالخلق، خلق القرآن، ورفع الإمام أحمد رأسه لهذه الفتنة وأخمدها الله على يديه ويدي إخوانه، ومع هذا لو أشار بيده لقام أهل بغداد، ولكن الإمام ينطلق من نصوص، جاءه الواثق أو المتوكل، فتنة تعاقب عليها ثلاثة: المأمون ثم المعتصم، ثم الواثق وأطفأها الله بالمتوكل، فطلب أن يحلل فكان يدعو للسلطان وهو في تعذيب منه، ويعلم أنه ملبس عليه.
ثم أيضا العداء للولاة، فيه مضار ثلاث:
الأولى: خلاف المنهج الشرعي في النصح.
الثانية: تفرح أهل الباطل وبطانة السوء على أهل الخير، بتسليط السلطان عليهم.
الثالث: عدم قبول السلطان للنصيحة، أو لأكثر النصح.
لكن الأسلوب الشرعي إن استجاب فلك وله، وإن أبى فلك وعليه، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط مِنْ ورائِهم، في لفظ آخر مَنْ وراءهم مَنْ موصولة الذي وراءهم، بمعنى أن دعوة المسلمين جماعة المسلمين كالسور من لزمه فهو محفوظ بحفظ الله له، ولزوم جماعتهم فيه حث الإسلام على الاجتماع والتحذير من أسباب الفرقة والاختلاف.
وقوله ثلاث، في أول وسط الحديث فيه التلازم بين هذه الثلاث وأن فيها صلاح الدين والدنيا، أبو طالب المكي، يقول: من اجتمعت فيه تلك الثلاث في زماننا فهو من أولياء الله، لأن النفوس تريد الترويض على هذه الأمور، فيا طلبة العلم، يا دعاة الخير لنلزم جميعا المنهج السليم منهجَ أهل السنة والجماعة في التعامل، ولنقرأ كتب العقيدة، السلفية التي صنفها العلماء، أهل السنة، الإمام أحمد، اللالكائي، البربهاري، ابن بطة، ونرى كيف أنهم تواطئوا على أصول متفق عليها من نص القرآن والسنة