البحث
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بشؤون أصحابه ويرثي لحال بعضهم، ويحزن لذلك
فلقد تحمل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم من المشقة والجهد ما لا يخفى خصوصاً من كان قبل الإسلام في ترف من العيش، فهذا مصعب بن عمير رضي الله عنه ترك الدنيا كلها، وترك أمه وأهله، وهاجر إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فعن محمد بن كعب القرظي حدثني من سمع على بن أبي طالب يقول:
خرجت في يوم شات من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جائعاً، وقد أوبقني البرد، فأخذت إهاباً معطوباً، فحولت وسطه فأدخلته عنفي، وشددت وسطي، فحزمته بخوص النخل، وأستدفئ به. وإني لشديد الجوع، ولو كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام؛ لطعمت منه. فخرجت ألتمس شيئاً فمررت بيهودي في مال له، وهو يسقي ببكرة له. فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط. فقال: ما لك يا أعرابي، هل لك في كل دلو بتمرة. قلت: نعم، فافتح الباب حتى أدخل. ففتح، فدخلت، فأعطاني دلوه. فكلما نزعت دلواً أعطاني تمرة، حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلوه، وقلت حسبي. فأكلتها، ثم جرعت من الماء فشربت. ثم جئت المسجد، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه. وإنا لجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ طلع مصعب بن عمير ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة، والذي هو اليوم فيه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة، وراح في حلة، ووضعت بين يديه صفحة، ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟". قالوا: يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم، نتفرغ للعبادة، ونكفي المؤنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأنتم اليوم خير منكم يومئذ".