البحث
كان النبى ﷺ يقرأ هذة السورة (المنافقون) كل جمعة توبيخاً لهم وحثاً لهم على التوبة
عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما
أن النبى ﷺ كان يقرأ فى صلاة الفجر يوم الجمعة الٓمٓ [1] تَنزِيلُ السجدة هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡـٔٗا مَّذۡكُورًا وأن النبى ﷺ كان يقرأ فى صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين (1).
[ الإنسان : 1]
قال النورى : " قال العلماء : والحكمة فى قرأة الجمعة اشتمالها على وجوب الجمعة وغير ذلك من أحكامها، وغير ذلك مما فيها من القواعد، والحث على التوكل والذكر وغير ذلك.
وقرأة سورة المنافقين لتوبيخ حاضريها منهم، وتنبيهم على التوبة، وغير ذلك مما فيها من القواعد ، لأنهم ما كانوا يجتمعون فى مجلس أكثر من اجتماعهم فيها " (2).
ومع عفو النبى ﷺ عن ابن سلول ، وترفقه به إلا أنه لما وصل أذاه إلى أهل بيته اشتد معاملته، وطلب من قومه الأخذ على يديه.
فقد حاك المنافقون فى هذه الغزوة (غزوة بنى المصطلق) حادثة الإفك بعد أن فشل كيدهم فىالمحاولة الأولى ، لإثارة النعرة الجاهلية.
والذى تولى كبر الإفك هو : عبدالله بن أبى ابن سلول المنافق،
قال تعالى:
إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ
[ النور : 11]
فهو الذى بدأ بالكلام فى الإفك ، وكان يصول فيه ويجول ، وكان يجمع الناس فى بيته ممن هم على شاكلته فى الخبث والنفاق ، وكان يذيع ذلك، ويردده مع عصابته.
ولما انتشر الكلام فى ذلك من قبلهم ، وكانوا يتناقلونه فيما بينهم، أثر ذلك فى بعض المؤمنين فانزلقوا معهم، وصاروا يتكلمون بذلك مع من تكلم، ويرددون قول الإفك والنفاق دون وعى وإدراك لم ايقصده ابن أبى من وراء ذلك.
فلم بلغ الأمر مبلغه من الحرج والضيق بالنبى ﷺ والمسلمين ، قام النبى ﷺ خطيباً فكلم أصحابه فيه ، فقال : " من يعذرنى (3) من رجل بلغنى أذاه فى أهلى ، فوا لله ما علمت على أهلى إلا خيراً ، وقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً ، وما كان يدخل على أهلى إلا معى ".
فقام سعد بن معاذ فقال : يارسول الله أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس (4) ضربنا عنقه، إن كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ، ففعلنا فيه أمرك.
قالت عائشة: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ، وكان رجلاً صالحاً ، ولكن اجتهلته الحمية(5) ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله.فقام أسيد بن حضير ، وهو ابن عم سعد بن بن معاذ ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين.
فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول الله ﷺ على المنبر، فنزل ، فخفضهم حتى سكتوا وسكت (6).
من فوائد الحديث:
فيه: أن التعصب لأهل الباطل يخرج عن اسم الصلاح .
وفيه: الندب إلى قطع الخصومة ، وتسكين ثاثرة الفتنة، وسد ذريعه ذلك.
وفيه: احتمال أخف الضررين بزوال أغلظهما، وفضل احتمال الأذى.
وفيه: مباعدة من خالف الرسول، ولو كان قريباً حميماً.
وفيه: أن من آذى النبىﷺ بقول أو فعل يقتل، لأن سعد بن معاذ أطلق ذلك، ولم ينكره النبى ﷺ(7).
فالمنافقون كانوا يحاولون دائماً زرع الفتنة فى المجتمع المسلم، وزعزعته من الداخل، أحياناً بتخذيل المسلمين عن الجهاد كما فعلوا فى غزوة أحد عندما رجعوا بثلث الجيش، وأحياناً بإثارة العصبية القبلية كما فعلوا مع أم المؤمنين الطاهرة العفيفة عائشة الصديقة رصى الله عنها .
وكان النبى يقابل كل ذلك بحكمة، وحلم، وروية، ويصفح كثيراً عنهم، طمعاً فى هدايتهم، وصلاحهم ، ورجوعهم للحق. المراجع
- رواه مسلم [٨٧٩].
- شرح النووي على صحيح مسلم[١٦٧/٦].
- أى : ينصرنى، والعذير الناصر.
- وهم قبيلة سعد.
- أى: استخفته، وأغضبته، وحملته على الجهل.
- رواه البخارى [٢٦٦١ ]ومسلم [ ٢٧٧٠].
- ينظر : فتح البارى [٤٨٠