1. المقالات
  2. بصائر في السيرة النبوية ( محمد حسين يعقوب ))
  3. (بصائر) بدء الوحي

(بصائر) بدء الوحي

الكاتب : محمد حسين يعقوب

1- للدعوة أصول واسس تبنى عليها؛ فأصل الدعوة واساسها: التوحيد واتباع الرسول (صلى الله عليه وسلم) والايمان بالغيب.

2- يوفق لليسر في الطريق الى الله والالتزام بالدين من كانت له سابقة خير؛ فإن الخير يدل على الخير والشقاء يقود الى الشقاء.

3- التربية وسيلة ناجحة من وسائل الدعوة، بل هي الوسيلة الوحيدة لبناء مجتمع مسلم يعرف الله ويؤثر دينه على ما سواه. 

4- الالتقاء بالعلماء والمربين شحذ لعزيمة السالكين وتجديد لإيمانياتهم وتذكير لهم بالله وفتح لآفاق المعرفة والعلم امامهم. 

5- مرونة الدعوة الإسلامية؛ فقد يناسبها ان تكون سرية في واقع وجهرية في واقع آخر، ولكن ينبغي ان نوجه الدعوة بتوجيه الدعاة لها لا ان يترك مصير الدعوة للمتفلسفة   زاعمي العقلانية الذين يزنون الامر بمجرد العقل دون فقه ووعي بالدليل الشرعي، او من الصغار الذين ليست لهم خيرة بالحياة او بالطريق او بالعواقب، ومن الادعياء انصاف المتعلمين الذين لم يتوبوا ويتلقوا العلم من أهل العلم الذين هم أهله. 

6- القرآن هو المادة الأولى لبناء الايمان في القلوب، وكل ما شغلك عن القرآن فهو شؤم عليك، وأثمر الدعوات وانجحها ما كانت بالقرآن. 

7- للدعوة أساليب متعددة قد يتناسب مع رجل أسلوب دون آخر، فهناك من يتناسب معه ان يسمع خطبة مؤثرة، وآخر يتناسب معه ان تدعوه لوليمة وتلقي بعدها محاضرة، وثالث يحتاج ان تتلطف معه حتى يبصر الحق ويعلمه. 

8-ان الأذى مهما بلغ من طغيان وعتو لا يوقف سير الدعوة ابدا، فإذا كان عبد المطلب قد قال: للبيت رب يحميه، فنحن نقول: للدعوة رب يحميها ويحفظها، ولو الدعوة بموت داعية لماتت بموت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 

 9- ان للنصر والتمكين ثمنا عظيما، ولا يحصل النصر التمكين الا بعد دفع هذا الثمن كاملا. 

10- لن يتكلم محق، ويجاهد لإعلانه بصدق إلا وجد في سبيله العراقيل والابتلاءات: ليعلم الله الصادقين من الكاذبين، تلك سنة كونية، فأينما وجدت دعوة صحيحة سديدة وجد من الباطل ما يناهضها ويعارضها؛ ولكن العاقبة للمتقين، قال ورقة وصدق: ((لم يأت رجل قط بمثل ماجنت به إلا عودي))

11- الله يصنع لدينه ويهيئ له من أسباب النصر ما لا يقدر عليه العباد، كان أبو طالب معظما في قومه، وكان على شركه، وكان حائط صد منيع امام ولتعرض هو الاخر للبلاء والاذى. 

12- يحب ان يكون المسلم لله ورسوله أعلى وأولى من كل حب، ولو كلفه ذلك نفسه وماله، فالحب كله ينبغي ان يوجه في وجهة واحدة، وهي لله (عز وجل) رسوله (صلى الله عليه وسلم) هذا هو شرط استقامة الحب، إذ تكون كل المحابة بعد ذلك تابعة ونابعة من الأصل الأصيل. 

13- لو شاء الله لجعل السبيل لإقامة المجتمع المسلم سهلا معبدا، ولكن السير في هذه السبيل لا يدل حينئذ على شيء من عبودية السالك لله، وعلى انه قد باع نفسه وأهله وماله لله يوم أعلن الايمان به.

14- لا خير في دين لا صلاة فيه؛ فالصلاة من الأصول التربوية التي توثق صلة العبد بربه، وهي ملاذه ولياده على طول الطريق، وجنة المؤمن في محرابه:

((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) 

15- على الداعية الحصيف ان يتخذ الحيطة الكاملة والحذر الشديد الذي يكفل لدعوته الاستمرار والبقاء، وينأى بها عن عبث أعدائها المتربصين بها الدائبين في حبسها ومنعها او قتلها ووادها 

16- لمجابهة الدعوة أساليب متعددة يتواصى بها المطلوب، فمنها السخرية والاستهزاء، ومنها تشويه معالم الدعوة وإثارة الشبهات، وشتى ألوان الايذاء، ولكن ماهي الا زوبعة في فنجان! وفقاقيع تطفو على السطح لحظات سرعان ما تزول، ويبقى الحق وأهله ويندحر الباطل وأهله.

قال سبحانه عز من قائل: 

(كذلك يضرب الله الحق والبطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الامثال))

(الرعد: 17) 

(بصائر) بدء الدعوة السرية 

اعلم يا بني: 
1- ان وراء الكفر المتبجح قلوبا لم تصطدم بع بتيار الإسلام العنيف، ولم تصل لها القوة الكهربية الضخمة، فحين تكون الصدمة قومة قد تغير الكيان كله، وهذا ما وقع بقدر الله، ودفع الى الإسلام عمر بن الخطاب وحمزة (رضي الله عنها) في آن واحد. 
ولا ننسى ابدا ذلك الحوار الذي جرى بين ام عبد الله ليلى بنت ابي حتمة وعمر قبل ان يسلم، قالت: إنا لنرتحل الى ارض الحبشة، وقد ذهب عامر ابن ربيعة في بعض حاجته؛ إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي، وهو على شركه، قالت: وكنا نقلى منه البلاء: أذى لنا وشدة علينا، قالت: فقال: انه للانطلاق يا ام عبد الله؟ قالت: فقلت: نعم، والله لنخرجن في ارض الله، آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا مخرجا، قالت فقال: صحبكم الله، ورأيت له رقة لم أكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه- فيما أرى- خروجنا، قالت: فجاء عامر بحاجته تلك فقلت له: يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا، قال: أطمعت في اسلامه؟ قالت: قلت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، قالت: يأسا منه لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام 
ولم يكن هذا اليأس القائل ليسطر على نفس هذا الصحابي لولا رؤيته الحرب العنيفة الشرسة التي يشنها عمر على الإسلام؛ ولكن قلب المرأة 
(1)اخرجه ابن إسحاق في ((المغازي)) (1/ 181) والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (2/111) بسند حسن 
كان أصدق من رأي الرجل؛ فإن غلظة عمر كانت قشرة خفيفة؛ تكمن وراءها ينابيع من الرقة والعطف والسماحة. 
والظاهر- كما ذكرنا- ان عمر (رضي الله عنه) كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة: كان يصده عن الإسلام من جانب: 
*احترامه للتقاليد التي سنها الإباء والاجداد. 
*واسترساله مع شهوات اللهو التي الفها.. 
ويدفعه إليه من جانب آخر:
إعجابه بصلابة المسلمين واحتمالهم البلاء في سيبل عقيدتهم.
*ثم الشكوك التي تساوره- كأي عاقل- في ان ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجل وازكى من غيره. 
ولهذا ما ان بثور حتى يخور، ذهب ليقتل محمدا (صلى الله عليه وسلم) ثم نلته عن عزمه كلمة. 
ولما علم بإسلام أخته وزوجها اقتحم عليها البيت صاحبا متوعدا، وضرب أخته فشجها، وأعاده منظر الدم المراق الى صوابه، فرجحت نواحي البر والخير في نفسه، وتناول ورقة كتبت فيها بعض الآيات، وتلاها، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! 
واستكان عمر (رضي الله عنه) للحق فمشى الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعلن إسلامه. فلما خلصت نفسه من شوائبها، وتمخضت للإسلام، كان مددا عظيما لجند الله، فازداد المسلمون به منعه، ووقعت في نفوس الكافرين منه حسرة 

2- ما أحوج الدعوة الإسلامية الى ان تحسن اصطفاء، وتكشف من خلف حجب الظلام المتكاثفة المعدن الثمين النفيس لهم، فتدفع بكل طاقاتها وإمكاناتها لاختراق هذه الحجب حتى تمس اسلاك القلب الخامد الخافت، فإذا به ينبعث حيا بنور الإسلام، وينتفض مشرقا بحلاوة الايمان وروعته. 

3- لعل خروج عمر (رضي الله عنه) متوشحا سيفه قاصدا قتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان ثارا لخاله ابي جهل بن هشام، الذي طعن في كبريائه من حمزة بن مخزوم وحلفائهم بني عدي من بني عبد المطلب؟ ما الذي حطم هذه المرأة العزلاء، فاطمة بنت الخطاب أخته، لقد وجد نفسه صغيرا.. صغيرا تافها امام الدم المنفجر من جرح أخته العزلاء من كل شيء، وهي تتحدى شخصه، وتهشم كبرياءه قائلة له: وقد كان ذلك على رغم أنفك!! 

لم تتراجع.. لم تخف.. لم تضعف كما توقع.

فاعلم إذا قمة العنف والطغيان لدى الطاغية قد تنهزم داخليا وتتحطم وتنهار امام ثبات المستضعفين على الحق، وجلد وتضحية المجاهدين في سيبل الله، فلتتيقظ الى هذا الجانب المهم، وتعرف من تربح الدعوة وبربح الدعاة حين يثبتون على الحق كما ثبت أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) رغم كل الابتلاءات والإيذاء والاضطهادات والتعذيب، افهم ذلك جيدا وعه حتى يمدك ذلك بالثبات والصلابة امام سيل الأمواج الجارف من الفتن، وإذا عملت أنك على الحق يقينا زادك ذلك ثباتا. 

4- نلاحظ أخيرا ذلك التحدي الشخصي للجاهلية من عمر (رضي الله عنه) في ذهابه لخاله ابي جهل، وإعلانه إسلامه، وفي بحثه عن بن مغمر الجمحي أكثر قريشا نقلا للخبر؛ لينقل خير إسلامه للناس، وفي مواجهته للمشركين وقد سال بهم الوادي يضربهم ويضربونه. 
الوسطى، ولا يناسبها الا المواجهة والمجابهة، وهذه هي فطرتها؛ ولكننا نخطى كثيرا حين نقيس الناس جميعا بعمر (رضي الله عنه) 
ان حادثة إسلام عمر فيها شخصية سعيد (رضي الله عنه) زوج أخته الذي كتم إسلامه عن قومه، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، وفيها شخصية خباب (رضي الله عنه) الذي اختبأ عند سماعه صوت عمر، وهو من السابقين الاولين من المهاجرين، ولم يكن المسلمون يعيبون على خباب وسيعد (رضي الله عنها) او يتهمونهما بالجنن. فالاندفاع الاعمى وراء شخصية معينة في الإسلام او حادثة معينة، يعني الحكم الاهوج والاعوج على الناس؛ فليس كل الشخصيات الإسلامية عمر وحمزة، وليست كلها سعيد وخباب، والإسلام يقبل هذه النماذج جميعا وكل واحدة منها لها دورها ومسئوليتها ورسالتها 
وهي مواهب وطاقات وقدرات من الكريم الوهاب، فهي أرزاق... لكل عبد رزقه. 
يدفعك اعتقاد هذا الى عدم الاندفاع والحكم على الصحابة (رضي الله عنه) خاصة، وعلى المسلمين عامة بحكم معين نتيجة وقعة او ظروف، ويدفعك ان تعتقد في داخلك ان الصحابة كلهم كانوا على خير؛ وإنما كان لكل واحد منهم شخصيته التي تميزه، فلا يدفعك انبهارك بشخصية عمر وحمزة الى ان تتعجب من إخفاء بعض الصحابة إسلامهم. 
ان الشخصية الوحيدة التي تصدت لعمر (رضي الله عنه) هي شخصية حمزة (رضي الله عنه) الذي كان يملك من المؤهلات المكافئة لمواجهة التحدي من عمر، يظهر ذلك عندما تساءل حمزة (رضي الله عنه) عن خوف الرجل لما علم ان عمر بالباب وقد أتى متوشحا سيفه ينوي قتل رسول الله، فقد قال: وما عمر؟ افتحوا له.. فلا غرو إذا ان يكون لهما الدور الأكبر والحاسم في إنهاء مرحلة معينة وابتداء مرحلة جديدة 

5- الصدق منجاة، والكذب مهلكة، لما صدق المهاجرين في دينهم وصدقوا في نواياهم مع ربهم، وصدقوا في مواجهة كيد عدوهم؛ حفظهم الله من ذلك الكيد وانجاهم بذاك الصدق، ولا يحيق المكر السيئ الا بأهله، وما كان ربك ليخذل اولياءه ابدا. 
فحقق الولاية، تجد من ربك الحفظ والكلاءة والرعاية. 

6- مبدا الشورى مبدا أصيل تربى عليه هذا الجيل العظيم منذ البدايات الأولى لهذه الدعوة، وفيه من الحكم الكثير؛ منها: ان يعلم أفضل الآراء واصوب الاحتمالات واقربها الى مرضاة الله (عز وجل) كما ان مبدا الشورى فيه من البركة والخير والاجتماع ما ليس في غيره؛ لذلك أرثاه ربنا وعلمه لنبينا، وهو أكمل الخلق عقلا وفهما واصوبهم رأيا، لكن علمه الله مبدا الشورى:

(فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)

(آل عمران: 159) 

7- لئن كان تخطيط المشركين أدهى فإن حفظ الله أعلى، وكما ان للباطل جنود يعملون له اوتوا من قوة؛ فإن للحق رجالا يبذلون دماءهم وأرواحهم لإعلانه 
8- من عوامل نجاح الفئة المؤمنة الحب والثقة بين الافراد، والتشاور فيما بينهم، وتقديرهم للكفاءات وإعطاء كل ذي حق حقه 
9- من تمام الحنكة والحكمة لدى القائد النجيب اعداد خطة بديلة، وتقدير حلول لكل احتمال قد يوجهه او يفاجأ به     
  
   
 
     
المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day