البحث
الفتح صلح الْحُدَيْبِيَةِ ذو القَعْدَةِ 6 هـ - مارس 628م نحو مكة
4552
2011/11/17
2024/11/15
الفتح
صلح الْحُدَيْبِيَةِ
ذو القَعْدَةِ 6 هـ - مارس 628م
نحو مكة
رأى النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في منامه أنه دخل هو وأصحابُه البيتَ الحرامَ آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين لا يخافون شيئًا. ومعلومٌ أن رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، فقصها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أصحابه، ففرحوا بها، وأمرهم أن يتجهزوا للخروج إلى مكة معتمرين، فخرج من المدينة يوم الاثنين، غُرّةَ ذي القَعْدَة في السنة السادسة للهجرة، في ألف وأربعمائة، ولم يخرج بسلاح كثير، إلا سلاحَ المسافر.
وخرجت معه جماعةٌ من الأعراب وجبن أكثرهم، لخطورة الرحلة، وظنوا أن رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقتولٌ في هذه الرحلةِ لا محالةَ، فقد ذهب إلى الموت بقدميه ـ بزعمهم ـ، وعلقوا تخلفهم عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على شماعة الانشغال بالتجارة وتربية العيال، وقد فضحهم الله تعالى، فقال : " سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12). " [ الفتح].
الشورى :
تحرك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأصحابه، أمامه الهدي، وأحرم بالعمرة من ذي الحليفة (أي من آبار علي )، حتى تعلمَ العربُ عامةً وقريشٌ خاصةً أنه جاء معظمًا للبيت، قاصدًا العمرة، وأنه لا يريد قتالاً، ومن ذي الحليفة أرسل النبي ُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلاً من أصحابه يجمعُ له المعلوماتِ عن قريش.
وسار النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مُحرمًا ـ حتى إذا كان قريبًَا من عُسْفَانـ وهي تبعد عن مكةَ مسافةَ ثمانين كيلوا مترًا تقريبًا ـ أتاه هذا الرجل ( الاستخباراتي ) فقال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الأحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ، وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ، وَمَانِعُوكَ.
هنالك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ ! أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ الْبَيْتِ، فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَإِلا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ ؟" .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ،خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ، لا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ، وَلا حَرْبَ أَحَدٍ، فَتَوَجَّهْ لَهُ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ!
فقَالَ : "امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ"[1]
تلحظ في هذا المشهد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم رأيَ الهجوم على ذراري القوم؛ فينشغلوا بأنفسهم عن صد المسلمين عن البيت الحرام، وتكونَ رقبةً مشركةً قد قطعها الله.
واستشار النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه في ذلك، فأشار أبو بكر بغير هذا الرأي، ونصح قائده بالدخول السلمي، وذلك لحساسية الزمان والمكان، فالزمان شهرٌ حرام، والمكانُ أرضٌ حرام، ولكن َمَنْ صَدَّنَا عَنْ البيت قَاتَلْنَاهُ ! فنزل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على رأي أبي بكر.
وفي ذلك إشارة إلى لين عريكته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع جنده، وخفضه جناحِه لهم، وسعةِ صدرِه لمقترحاتهم، كما أن هذا السلوكَ الكريم الذي صدر من النبيِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو تطبيق عملي لأمر الله تعالى :" وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ "آل عمران159.
وهو أمرٌ لكل ولي أمر، الرئيسِ والوزير، و القائدِ والغفير، الأبِ في أسرته، الناظرِ في مدرسته، المديرِ في إدارته،ُ ينادى الحقُ ـ تبارك وتعالى ـ عليهم جميعًا :" وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ "آل عمران159.
***
طريقة أخرى :
لا زال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في طريقه إلى مكة . وفي بعض الطريق، قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ، طَلِيعَةٌ، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ "[2]، أي طريقًا أخرى، حتى لا يحدث قتالاً أو صدامًا .
موقف القصواء !
وسلك المسلمون طريقًا وعرًا في الشعاب، حتى إذا أوشك الركب الكريمُ على دخول الحرم من ثنيتةٍ مرتفعة تطل على مكة؛ بركت ناقةُ النبي ـ صلى الله علي وسلم ـ .
فقال الصحابة : حَلْ حَلْ ! فَأَلَحَّتْ، ولزمت مكانها .
فَقَالُوا : خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ، خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ، أي حَرَنَتْ مِنْ غيرِ علةٍ، وعصت من غير تعلة.
فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مدافعًا عن ناقته الكريمة ـ مبينًا سبب فعلها ـ:" مَا خَلأتْ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ"[3].
إنها شعرت بمهابة الموقف، أن تكون داخلةً نحو بيت الله ، بغيةَ الفساد في حرم الله، خافت أن يكون أصحابُ محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ كأصحاب أبرهة، الذين جاءوا بجيشٍ عَرَمْرَم، وأرادوا كيدًا لبيت الله الحرام، فجعل الله كيدهم في تضليل " وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)" [الفيل].
الناقة تخشى عاقبةَ الظلم، تخشى أن تسير مع ظلَمة، فما بالك بمن يساندون الظلمة، ويدافعون عن الظلمة، وينضمون إلى حزب الظلمة ؟
***
ثُمَّ قَالَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَسْأَلُونِي خُطَّةً، يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ، إِلاً أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا "[4]. ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ.
معجزة البئر :
وواصل المسلمون مسيرهم، حتى نزلوا الحديبية ـ وهي الآن في مدخل مكة ـ، فنزلوا على ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ، يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا[5] .. يأْخذونه قليلاً قليلاً، لقلته، كما يتعامل أحدنُا مع الماء القليل في سفره، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ عن آخره، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ نبي الرحمةِ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فامتلأ البئر بالماء، معجزةً من الله لنبيه، وما زال يَجِيشُ لَلمسلمين بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ"[6].
توصية عملية :
قراءة حديث صلح الحديبية في صحيح البخاري
---------------------------
[1] البخاري (3860)
[2] البخاري ( 2529)
[3] البخاري ( 2529)
[4] البخاري ( 2529)
[5]أَي يأْخذونه قليلاً قليلاً
[6] البخاري ( 2529)