1. المقالات
  2. الحوار في السيرة النبوية _ السيد علي خضر
  3. التفـاوض

التفـاوض

قال الراغب:" فاض الماء إذا سال منصبّاً.. وأفاض إناءه إذا ملأه حتى أساله.. ومنه: فاض صدره بالسر أي سال، ورجل فياض أي سخيّ، ومنه استعير: أفاضوا في الحديث إذا خاضوا فيه " ([1]) وقال في اللسان:" وفاوضه في أمره: جاراه، وتفاوضوا الحديث: أخذوا فيه، وتفاوض القوم في الأمر أي فاوض فيه بعضهم بعضاً " ([2]).

والمادة تستعمل في اللغة بمعان متعددة راجـعة إلى الأصل اللغوي " فيضان الماء " وصار منه " فوض الأمر إليه ".

ولم يستعمل القرآن من المادة غير هذا المعنى الأخير في موضع واحد          ] فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ[ (غافر:44).

 

(ب) مدخل اصطلاحي:

يبدو أن مصطلح المفاوضة قد تولّد إبّان بداية العصر الأموي كما نفهم من هذا النص في لسان العرب، ففي حديث لمعاوية أنه قال لدغْْفَل بن حنظلة - وكان عالماً فصيحاً -: " بمَ ضبطتَ ما أرى؟ قال: بمفاوضة العلماء، قال: وما مفاوضة العلماء؟ قال: كنت إذا لقيت عالماً أخذت ما عنده وأعطيته ما عندي" ثم قال ابن منظور: المفاوضة: المساواة والمشاركة، وهي مفاعلة من التفويض، كأن كل واحد منهما ردّ ما عنده إلى صاحبه، أراد محادثة العلماء ومذاكرتهم في العلم " ([3]).

و مصطلح التفاوض في العصر الحديث أكثر قرباً من مجالات السياسة والتجارة.. وتنبع أهميته من حاجة البشر الملحة إليه، إنه العلم الذي " نهدف من خلاله إلى التعرف على أفضل وسائل تكوين الأرضيات المشتركة والتفاهم الفعال بين بني البشر رغم اختلافاتهم وثقافاتهم وعقائدهم، إنه العلم الذي نحاول من خلاله تجنب تفجير الصراعات والجدل العقيم " ([4]).

ويقترب مصطلح التفاوض في بعض صوره من مصطلح الحوار مع وجود بعض الفوارق بينهما سنذكرها بعد، والتفاوض في الاصطلاح المعاصر       " موقف تعبيري حركي قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا يتم من خلاله عرض وجهات النظر وتبادلها وتقريبها ومواءمتها وتكييفها، واستخدام كافة أساليب الإقناع للحفاظ على المسائل القائمة أو للحصول على منفعة جديدة " ([5]).

والتفاوض بصورته السابقة لون معمّق من ألوان الحوار، وهو حوار يُخطط لـه من قبل بعناية، لأن الاتفاقيات الناتجة عنه تكون ملزمة في حالة التوصل إليها، ولذا نجد العناية الدقيقة بكل خطوات عملية التفاوض، وقد صار مقدمة أساسية لكل صور المعاملات في العصر الحاضر، وصورته الفعلية تتمثل في حدوثه بين " شخصين أو فريقين، ويحاول كل فريق إقناع الآخر بوجهة نظره، وذلك من خلال تقديم الحجج وعرض الأفكار والآراء، والقدرة على توالد الأفكار والعرض والمناورة " ([6]).



[1] - الراغب الأصفهاني:المفردات:387.

[2] - جمال الدين بن منظور: اللسان: فوض.

[3] - نفسه: فوض.

[4]- د/ حسن محمد وجيه: مقدمة في علم التفاوض السياسي والاجتماعي: 23، عالم المعرفة العدد (190) الكويت، ربيع الآخر 1415هـ- أكتوبر 1994م.

[5]- محسن الخضيري: تنمية المهارات التفاوضية:5، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة 1993م.

[6]- د/ فاروق السيد عثمان: سيكولوجية التفاوض وإدارة الأزمات:2-3، منشأة المعارف، الإسكندرية 1998م.

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day