البحث
قصة إسلام عبدالله العراقي
في أحد أيام الصيف الملتهبة من سنة 1995، كنت أتبضَّع بعض ما نحتاجه في البيت من سوق مدينة الحلة العامرة، سلَّم عليَّ شابٌّ أبيض البشرة، ضعيف البنية، متوسط القامة، وملامحه توحي أنه غريب عن المدينة، قلت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قال لي: أتعرف الشيخ فلان (م. ح)؟
قلت: نعم، ولكني لا أعرف موقع داره
فقلت له: قل لي ما حاجتك، وماذا تريد منه؟ فأنا أقوم بالواجب إن شاء الله تعالى بقدر ما استطيع
قال: أنا على الديانة النصرانية، جئت لأعلن إسلامي
قلت: أهلاً وسهلاً بك، تعالى معي إلى جامع الهيتاويين، فإنَّ إمام الجامع صديقي، وأنا لست من سكنة الحلة، بل من سكنة المسيب
فسار معي حتى وصلنا الجامع، فاستقبلنا فضيلة الشيخ فالح بحفاوة وتكريم وابتسامته العريضة كما هو دأبه مع محبيه، وحتى مع أُناس لم يعرفوه أبداً جلسنا في غرفة الإمام، وهي غرفة صغيرة جداً، ولكنها ميدان للمحبين لأنها تسع ملايين القلوب المؤمنة..
وبعد أن أخذنا قسطاً من الراحة، وشربنا الماء البارد، قلت للشيخ فالح : هذا الرجل الذي أمامك قصته كذا وكذا، وذكرت له كيفية لقائي به، جاء من أجل أن يحظى بشرفِ الإنتساب إلى الدين الإسلامي الحنيف
فقال الشيخ فالح: أهلاً ومرحباً به، وبالذي أتى به هنا
ساله الشيخ فالح: من أي مدينة أنت؟ قال: الأصل من الموصل، ولكن الآن من سكنة بغداد
ولماذا تركت الموصل وسكنت بغداد؟
قال: لأن أبي طبيب وأُمي طبيبة وعملهما الوظيفي في بغداد
الشيخ فالح: ما الشهادة التي تحملها؟
عبدالله: خريج معهد
الشيخ فالح: هل أنت مقتنع بالدين الإسلامي؟
عبدالله: نعم ولله الحمد، لقد ثبت لي أن الدين الإسلامي هو الدين الحق، لذا تركت أبي وأُمي عندما علموا أنني عازم على ترك الديانة النصرانية، وهددوني وقاطعوني، فكنت أبحث عن مسلم يأخذ على يدي ويعلمني تعاليم الدين الإسلامي، ولله الحمد قد وجدتكم
الشيخ فالح: إذن الآن تردد ما أقول
عبدالله: حسناً
الشيخ فالح: قل: أشهد أن لا اله الأ الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله عبدالله: أشهد أن لآ اله الأ الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فحمدنا الله تعالى على هدايته، وباركناه على إسلامه
قال له الشيخ: إن من سنن نبينا الأكرم r أن الرجل الغير المسلم إذا أسلم يحلق شعره ثم يغتسل[1].
عبدالله: لا مانع لدي
بعثنا الأخ عبدالله إلى الحلاق القريب من الجامع مع أحد الإخوة المصلين، جاءنا بعد ساعة أو يزيد وقد حلق شعره وفرحنا بإسلامه فرحاً عظيماً، وقضى معنا في الجامع ساعات، وكان الشيخ فالح يعلمه بعض تعاليم ديننا الحنيف، ثم تفرقنا، وكنت التقي معه بين حين وآخر هنا وهناك، ولا أدري ما حل به الدهرفي هذه الأزمات التي تعصف باهلنا في العراق[2] ، أسال الله تعالى له الثبات على الإيمان.
قصة إسلام عائلة أبي بهاء[3] وإسلامه فيما بعد
إنها قصة طويلة وممتعة، ولكن فيها المآسي، والأيام – كما نعلم - في هذه الحياة لا تسيرعلى وتيرة واحدة، بل فيها الحلوة وفيها المرة...
أبو بهاء كان على الديانة الصابئية، وكان جاراً لنا، عائلة أبو بهاء عائلة طيبة كسائر العوائل العراقية الأصيلة، لم نسمع منهم ما يجرح شعورنا، وكأنهم على الدين الإسلامي... في يوم من الأيام سمعنا بنبأ قد أزعجنا بأن أبا بهاء قد أودع في السجن، وحكم عليه خمسة عشرعاماً في سجن أبي غريب...
وهنا يأتي دورالجار المسلم تجاه جاره، لابد لنا أن نشاركهم في مصيبتهم، رغم أنهم يخالفوننا في الدين، ومن حق الجارالغيرالمسلم على جاره المسلم قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالوَالدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً﴾[4].
يقول القرطبي: الوصاية بالجارمأموربها مندوب اليها عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت، سمعت رسول الله r يقول: ((ما زال جبريل يوصيني بالجارحتى ظننت أنه سيورثه)) متفق عليه[5].
والجيران ثلاثة: فجارله ثلاثة حقوق، وجارله حقان وجارله حق واحد، فأما الجارالذي له ثلاثة حقوق: فالجارالمسلم القريب له حق الجوار، وحق القرابة حق الإسلام، والجارالذي له حقان، فهو الجارالمسلم فله حق الإسلام وحق الجوار، والجار الذي له حق واحد هوالكافرله حق الجوار[6]. ثم قال: للمؤمن أن يحذر أذى جاره وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه ويرغب فيما رضياه وحضا العباد عليه[7].
وديننا الحنيف قد أوصى بالجار مهما كان دينه،أن يعيش في جوارنا، وعدَّ من خالف هذا المبدأ العظيم ناقص الإيمان، فعن أي هريرة tعن النبي r قال: ((والله لا يؤمن، والله لايؤمن، والله لا يؤمن!))
قيل: من يارسول الله؟ قال: ((من لا يأمنُ جارُهُ بوائِقَهُ)) متفق عليه[8].
يقول الأستاذ أبو بكرعبدالرزاق: هل ترى أسمى وأنبل من تلك الوصية الذهبية التي يوصينا بها القران الكريم في معاملة الوثنية التي هي أبعد الديانات عن الإسلام، فضلاً عن الديانات التي تربطنا بها أواصر الوحي السماوي أ إقرأ قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾[9].
فنحن نراه لا يكتفي منا بأن نجيرهؤلاء المشركين ونؤويهم ونكفل لهم الأمن في جوارنا فحسب، ولا يكتفي منا بأن نرشدهم إلى الحق ونهديهم طريق الخير وكفى، بل يأمرنا أن نكفل لهم الحماية والرعاية في انتقالهم حتى يصلوا إلى المكان الذي يأمنون فيه كل غائلة[10].
هكذا فليكن المسلم مع جاره... وهكذا كان سلفنا الصالح...
إسلام بهاء
بينما أنا جالس بين أطفالي – وأظنُّ كان الوقت بعد صلاة العصر- طُرق باب الدار... من يكون الطارق؟ وكنت أظن أن الطارق أحد أصدقائي المقربين، أو صاحب حاجة؟ فتحت الباب، فإذا بالواقف على الباب جارنا الصابئي! رحبت به أجمل ترحيب، وطلبت منه الجلوس في البيت ولكن رفض قائلاً: جئت أسالك سؤالاً شرعياً
قلت: تفضل وسل سؤالك؟
قال: ما كفارة من حلف بالله أن لا يفعل كذا ولكنه فعل؟
فقلت: على أي دين تريد؟ وأنا أعرف أنه غيرمسلم
قال: على دينك
قلت: هل أسلمت؟
لم يجب على سؤالي، ولم الح عليه ولم أُحرجه، وكان مرتبكاً، فتركت الأمر معلقاً، من أجل أن أتحقق عن أمره، وأمرعائلته، فأجبت على سؤاله أن على المسلم أن يصوم كفارة يمينه ثلاثة أيام، أو أن يطعم عشرة مساكين[11] ثم ودعني وذهب إلى داره.
عدتُ إلى بيتي وأنا في حيرة من أمره، وداره لا تبعد عن داري سوى 150 متراً تقريباً، ما الذي أفعله؟ كيف أتصرف معه؟ ولماذا سالني هذا السؤال ولم يتقيد بتعاليم دينه؟ ربما أسلم ولكنه يكتم إسلامه؟ أسئلة كثيرة كانت تدور في مخيلتي، ولكن كلها مجرد تخمينات وظنون، ولاأعرف الحقيقة!! ولكنني عزمت أن أصل إلى الحقيقة بقدرالإمكان... ولكن يجب علي أتعامل معهم بمنتهى الحكمة، وبدأتُ أُفكرعن حلٍ معقول، وقع في بالي أن أقرب جارله هو أبوناظم، وهو من رواد الجامع، من الأخوة الطيبين، فعليَّ أن أُفاتحه بالموضوع لعله يعطيني جواباً مقنعاً، ولعلّه يعرف عنهم أموراً لاأعرفها...؟
سالت أبا ناظم، : ماذا تعرف عن بيت أبي بهاء، اليسوا صابئة؟ وهل أسلموا، أخبرني؟
أجاب الأخ أبو ناظم قائلاً: والله أنا حائر مثلك بأمرهم أيضاً، فلا شك أنهم كانوا صابئة، ولا أدري أأسلموا أم لا؟ لأننا نسمع أحياناً قرآءة القران في دارهم كأي بيت مسلم، وعاداتهم في أشياء كثيرة لا تختلف عنا!!
أشكرك ياأبا ناظم، على هذه المعلومات القيمة، يمكننا الوصول إلى المزيد منها بمرور الزمن إن شاء الله تعالى
المهم أصبح لديَّ معلومات أولية، وأنها الخطوة الأولى إلى الأمام إن شاء الله تعالى.. بدأت أسال عن وضع والده في سجن أبي غريب، وأبعث إليه رسائل مع ابنه الكبير بهاء الذي اعتاد على زيارته بين فترة وأُخرى، وأَحياناً تصحبه والدته أُم بهاء، وأحياناً أبعث إليه (الكبة المصلاوية المشهورة) وبعض ما يحتاجه بفضل الله تعالى... فكان يبعث اليّ بالجواب كل مرة، ويشكرني لمعروفي، وأنك الجار الطيب الوفي... بدأت العلاقات تتوسع فيما بيننا، علاقات عائلية، زيارات متكررة...
فاتحني بهاء يوماً قائلاً: ياشيخ أقول لك وبكل صراحة، أننا جميعاً مقتنعون بالدين الإسلامي، ولكننا نخشى العشيرة ومنهم الأقارب فسوف يقاطعوننا، أو يؤذوننا، فماذا تنصحنا؟ وأرجوا أن تكتم هذا الأمر، ويبقى سراً بيننا إلى أن نجد له مخرجاً؟
قلت: سنتصرف إن شاء الله تعالى بحكمة وروية، وأعلم أنك لا تحتاج إعلان إسلامك الآن بين الناس، وعليك أن تنصح العائلة أن يتكتموا أمر إسلامهم إلى أن أجد حلاً معقولاً
بدأ بهاء يدرس الإسلام بشوق، وزودته بالكتب المبسطة عن الإسلام مما دفعه إلى المطالبة بالمزيد من الكتب، والإسراع على إعلان إسلامهم جميعاً...
قلت له: إن من الحكمة أن تعلنوا إسلامكم في غيرهذه المحافظة، لماذا لا نذهب إلى محافظة الأنبار فعندنا أخوة يقومون بالواجب على أفضل وجه فاقتنعوا بالرأى، وحددنا يوم السفر..
وبدأت الرحلة المباركة
إتفقت مع صاحب سيارة أُجرة ((حافلة صغيرة)) بأننا سنقوم بسفرة إلى محافظة الأنبار يوم غد[12].
طلب مني بهاء أن لا أُخبر أحداً عن سبب هذه السفرة
قلت: إن شاء الله تعالى...
ومع بزوغ الشمس في الصباح الباكرتوجهنا نحو محافظة الأنبار عبرالطرق الصحراوية، إنها كانت ولله الحمد سفرة إيمانية ممتعة، كانت ملآئكة الرحمن تحفنا من كلِّ جانب، ونحن مقبلون لأمرعظيم، الدعوة إلى دين الله، وليس هناك عمل أفضل من الدعوة إلى الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالحاً وَقَال إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾[13] ، وصلنا إلى دار الأستاذ (ج. ر) فاستقبلنا – كعادته مع كلِّ قادم - بكل حفاوة وتكريم قائلاً: كأنكم نزلتم اليّ من السماء...
فقدم لنا طعام الفطور، وشربنا الشاي، ثم توجهنا جميعاً: أي جميع أفراد عائلة ابي بهاء إلى المحكمة لإعلان إسلامهم، ومعنا الأستاذ (ج. ر)...
فقد أعلن جميعهم الإسلام بفضل الله تعالى، ناطقين شهادة أن لا اله الا الله وأن محمداً عبده ورسوله... كان ذلك اليوم عيداً لنا وفرحنا فرحاً عظيماً باركنا لهم إسلامهم... قلنا لهم: أصبحتم إخوة لنا في الدين...
وقام الأستاذ (ج. ر) بوليمة فخمةٍ تكريماً لهم، ولا أدري كيف أصف ذلك اليوم أأفرح لإسلامهم أم أفرح لبشارة المصطفى r لنا؟ بقوله: ((لئن يهدينَّ الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم)) وكما قال رسول الله r عند قدوم جعفر t من الحبشة عند فتح خيبر: ((والله لاأدري بأيهما أفرح بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر؟)) ثم عُدنا على المكان الذي إنطلقنا منه، حاملين في قلوبنا والسنتنا كلمة التوحيد، لااله الأ الله، محمد رسول الله..
حياة جديدة في ظل الإسلام
ذهب الظلام، وتلالأت الأنوارالربانية في بيت أبي بهاء، وكنت أقول في نفسي: ياليت أبا بهاء معنا...
فأصبح منذ ذلك اليوم بهاء وأخوه علاء من رواد المسجد، ولكنْ ماذا حدث
بعد ذلك...
بدأ الأخ بهاء يفكر في مصير والده الذي لا زال في سجن أبي غريب، كيف لوعلم بإسلام جميع أفراد عائلته بغيابه؟ ماذا يفعل؟ وكيف يبقى على دينه ويكون من أهل النار؟ بدات مخاوف بهاء تزداد يوماً بعد يوم.. ما الحل إذن؟ كيف المخرج؟
بدأت أهدؤه، وأبين له ما جرى لأصحاب رسول الله r من المحن والشدائد
في سبيل دينهم، وكيف فتح الله عليهم، وتجاوزوا كل هذه الأزمات بالصبر والمصابرة، فأنت لم تفعل شيئاً باطلاً كي يعاقبك الله، بل تقربت إلى الله تعالى، فإنه لا شكَّ أنه يكون معك، لأنك أصبحت من أهل التقوى، والله تعالى يقول: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ﴾[14] ، ففرح وأصبح أكثرجرأة، لمقاومة المخاوف التي كان يحسب لها الف حساب...
قلت للأخ بهاء يوماً: ما رأيك؟ أريد أن أبعث لوالدك رسالة أقول فيها أنني مشتاق اليك وأريد زيارتك، فإنه يقيناً يفرح فرحاً عظيماً لأنه يحبني، ويطالبني دائماً أن أكون قريباً منكم، ورسائله لا زالت محفوظة عندي، فأنا مستعد لمفاتحته، لأنني على يقين أن قلبه قد لآن لديننا؟
بهاء: لامانع لديّ أنا موافق...
إذاً نحن على موعد...
رحلة النور إلى سجن أبي غريب
سافرنا إلى أبي غريب، وأنا أدعوا الله تعالى أن يفتح عليَّ، وأن يجعل خروجي هذا في سبيله، وأن يشرح قلب والده للإسلام، كما هدى جميع أفراد عائلته، ليكون على نورمن ربه، كنا قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾[15] ، وصلنا إلى سجن أبي غريب في الساعة العاشرة صباحاً تقريباً، ولكننا تأخرنا أكثرمن ساعة، لحين وصولنا إليه للإجراءات القانونية المعتادة في السجون، التفتيش وختم ايدي الزائرين... ولكننا ولله الحمد وصلنا على المخيم الذي كان فيه، فتعانقنا وجلسنا طويلاً نتحدث عن الأمورالعامة، وخاصة ظروف عائلته وأنهم أمانة في عنقي إلى حين خروجك من السجن...
بدأت أستدرجه وأرغبه بالإيمان بقدرالله تعالى، ففهم ما أريده منه، فأخرج لي بعض مذكراته والقصائد التي نظمها وكان لديه الرغبة في الأدب والشعر والخط العربي، وقد كتب في مذكراته بعض الأدعية والمناجآت، وبدأت أتجرأ معه بالحديث حول الإسلام وهو لا يعلم عن إسلام عائلته شيئاً
فقال لي: والله أنا مقتنع بالدين الإسلامي ولكن؟؟
فقلت: إذن ما المانع من إسلامك؟
قال: لامانع لديَّ
فقلت له: هل أنت مستعد الآن النطق بالشهادتين؟
قال: أجل
قلت: إذن قل معي: أشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قال: أشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فحمدت الله تعالى الذي هداه صراطه المستقيم على يديَّ، فتعانقنا ودموع الفرح تسيل من عيوننا... إنها فرحة ما بعدها فرحة
قلت له: والآن أصبحت أخاً في الله، لأن المسلم أخو المسلم، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[16].
فقال بعد ذلك لابنه بهاء: يابهاء منذ هذا اليوم الشيخ هو المسؤول عنكم يأمكركم فتستجيبون له، فإننا لا نستطيع أن نقدم له مثل ما قدمه لنا من خدمة طيلة هذه المدة، وحتى أقرب الناس لنا لم يقفوا موقفه.....
قال بهاء: حتى لودعانا إلى الإسلام[17] ؟.
فقال أبو بهاء: نعم وحتى لو دعاكم لعتناق الإسلام..
فقال بهاء: ياأبتي كيف نتحول إلى الدين الإسلامي ونترك ديننا ودين آبائنا؟
أبو بهاء: إن هذا الدين هو دين الحق، دين الرحمة والإنسانية
وبعد لحظات أخرج من حقيبته مذكراته التي هي الآن بين يديَّ، فرأيتُ قد كتب بعض القصائد وبعض الشيء عن محاسن الإسلام، وقد تبيَّن لي أنه كان مقتنعاً بالدين الإسلامي، ولكن هناك بعض العقبات قد حالت بينه وبين الإسلام... ثم ودَّعناه وعدنا إلى مدينتنا... فكان الأخ بهاء وأخوه الأصغرمنه علاء يحضران الصلوات الخمس في المسجد، ثم بعد أشهر عديدة فرج الله تعالى عن والدهم أبي وخرج من السجن، وشاءت القدرة الإلهية أن والدهم قد إنتقل إلى جوارربه بحادث سيارة بعد خروجه من السجن بمدة سنة وشهر[18] ، ولكن نال شرف الإنتساب إلى هذا الدين العظيم
ومات على الإسلام، وخيرما تركه سجل ذكرياته، وفيها معلومات عامة عن أركان الإسلام والإيمان بخط يده، وخطه جميل جداً، وقد كتب على غلاف السجل، تائب وراء القضبان.
وأنقل شيئاً يسيراًعن سجل ذكرياته، في الصفحة الأولى ذكر قوله تعالى: ﴿حم * تَنْزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ العَلِيمِ* غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا الهَ الا هُوَ إليه المَصِيرُ﴾[19].
ومن جميل دعائه في السجن: اللهم أدعوك أن تعمِّربيتي، وتسترعائلتي، اللهمَّ اسالك أن توفق أولادي وتجعلني وذريتي من القوم الصالحين، وتنصرنا على القوم الظالمين[20].
أرجوا الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، ويثبت ذريته على الإيمان، إنه نعم المجيب...
[1] حيث أن من السنة أن يحلق معتنق الإسلام شعره كما قال رسول الله r لرجل أسلم: ((القِ عنك شعرالكفر)).
[2] الغيمة ستنقشع إن شاء الله تعالى يوما، فإن كل من لوث يده بدم حرام ينال جزاءه العادل عاجلاً أم آجلا، والسعيد من كان طوال هذه الأزمات مفتاحاً لكل خير ومغلاقاً لكل شر، يجمع ولا يفرق،: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَال﴾.(الرعد: من الآية 17) فالأصالة ستبقى والزبد يذهب جفاء إذ لا تقبله الأرض ولا السماء، ولا مكان له بينا والأيام دول....
[3] حاولت أن لا أذكر أسماء أفراد هذه العائلة رغبة منهم، ولكن جعلت لكل فرد من أفراد عائلته اسماً مستعاراً.. الأب: أبو بهاء، والأم أم بهاء، وابنه الكبير بهاء والثاني علاء والثالث وهو الصغير برآء، وأما البنات فالكبيرة هدى والثانية آمنة والثالثة، سميرة و الصغيرة ندى....
[4] سورة النساء الاية 36
[5] رواه البخاري في كتاب الآداب باب الوصاءة 5/2239، ومسلم في كتاب البر والصلة باب الوصية بالجار4/2025
[6] الجامع لأحكام القران 5/171
[7] المصدر نفسه 5/171
[8] رواه البخاري في كتاب الآداب 5/2239، ومسلم في كتاب البر والصلة 4 /2025
[9] سورة التوبة الآية 6
[10] راقص الباليه الإنكليزي الذي أصبح استاذاً بجامعة الأزهر
[11] لقوله تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ (المائدة:89).
[12] إتصلت مع الأستاذ الداعية الفاضل (ج. ر) تلفونياً أننا قادمون اليكم غداً، وفاتحته بالأمر
[13] سورة فصلت الآية 33
[14] سورة التوبة الآية 123
[15] سورة زمر الآية 22
[16] سورة الحجرات الاية 10
[17] وكان بهاء يكتم إسلامه عن والده
[18] وقد ذكرت أبنته سميرة في نفس السجل نبذة مختصرة عن حياته: ولد عام 1947م وتوفي عام 2000م، تربى في كنف عائلة غير مسلمة على الديانة (الصابئية) في مدينة بغداد، أكمل دراسته، وأصبح موظفاً حكومياً مدة 25 سنة تزوج خلالها ورزق بثلاثة أولاد وأربعة بنات، أُتهم بتهمة باطلة أحيل على إثرها للمحكمة ثم السجن 15 عاماً قضى منها ثلاث سنين أسلم وهو في السجن، ثم خرج منه صابراً محتسباً، وبعد سنة وشهر توفي بحادث سيارة.
[19] سورة غافر الآية 1 - 3
[20] من سجل ذكرياته