1. المقالات
  2. لماذا اعتنقنا الإسلام دينا؟ _ سفر أحمد الحمداني
  3. الإسلام يخاطب العقل وينبذ التقليد الأعمى

الإسلام يخاطب العقل وينبذ التقليد الأعمى

الكاتب : سفر أحمد الحمداني

الدين الإسلامي يختلف عن جميع الإديان السماوية، من النصرانية واليهودية والمبادىء الوضعية، إختلافاً كبيراً، رغم أننا نعتقد أن عقيدة الأنبياء واحدة، ولكننا نعتقد وقوع التحريف في كتبهم مما لا يقبل الجدل، وقد بيّنتُ هذه الحقيقة في طيّات الكتاب، من أقوال علمائهم الذين إعتنقوا الإسلام بعد دراسة مستفيضة، ومقارنة للكتب السماوية.

فالله تعالى ميَّز الإنسان عن الحيوان بالعقل.

وهذا يقودنا لمناقشة إحدى أولى الإنطباعات الشهيرة التي يأخذها القراء عن القرآن. فأخذ المفاهيم القرآنية المركزية للحفاظ على العقيدة هو أهمية العقل والتفكيرالتأملي، وهذا ما كان قد لاحظه ويلاحظه كل مستشرق غربي معاصر بدوره، فعلى سبيل المثال يقول رودينسون Rodinson في كتاب الإسلام والرأسمالية ص79: إن القران يقدم باستمرارالبراهين العقلية الدالة على قدرة الله.. فمعجزات الخلق مثل تكاثر الخلق، وحركة الأجرام السماوية والظواهر الكونية واختلاف أنواع الحيوان والنبات بما يناسب وحياة الإنسان بشكل رائع هي جميعاً:﴿لَآياتٍ لِأُولِي الالبَابِ﴾[1] ، ويضيف رودينسون قائلاً بعد قليل: يتكررفي القران الكريم حواي خمسين مرة الفعل (عَقَلَ) والذي يعني بربط الأفكار ببعض، يعلل، يفهم مناقشة ذهنية، وتطالعنا اللازمة: ﴿أفلا تعقلون﴾ في العديد من السورثلاث عشرة مرة بعد قطعة تعليلية، وأما الذين لا يستجيبون لدعوة محمد، فإن القران يصفهم بأنهم: ﴿قوم لا يعقلون﴾، كما في الآيات 53- 58 و102– 103من سورة المائدة و42 – 43 من سورة يونس و 45– 46 من سورة الأنبياء، و14 من سورة الحشر[2]  عن حالها، فهي أسيرة بين يدي صاحبها، فالواجب الشرعي رعايتها، يقول الأستاذ محمود جومرد: ان ترديد الفكر والعقل وذكر الآيات وضرب الأمثال ومخاطبة أولي الالباب بهذه الكثرة في القران الكريم، خيردليل على مدى العناية بالإنسان، بتوعيته وتعميق فكره في نفسه، وفيما حوله، لئلا تعبث به الأهواء وتُضلُِّه المبادىء البرّاقة، فيضل الطريق ويخسراطمئنان النفس وغذاء الروح ولذة الفكروسعادة الحياة وكل ما يقدمه الإيمان للإنسان من متع الحياة وخيرات الدنيا والآخرة[3].

والإسلام لايقبل الجمود، بل يدعوالى مواكبة التقدم العلمي التجريبي، ويشد من أزره، بما فيه مصلحة البشر، ويعتقد أن كل نظرية تخالف نصاً قرآنياً صريحاً(قطعي الدلالة) أو حديثاً صحيحاً (قطعي الورود والدلالة) نظرية باطلة، كنظرية دارون، كما سنأتي لذكرة، ورد العلماء عليها، ولا نقول هذا الكلام مجازفة، بل عن إيمان راسخ بصدق مصادرنا التشريعية، وتجربة علماء الغرب خير شاهد على صدق ما نقول، وخاصة من اعتنق منهم الإسلام ديناً، فأكثرهم أعلنوا إسلامهم بعد ما توصلوا عن طريق تجارب علمية صدق ما جاء في القران الكريم والسنة النبوية من حقائق علمية، كعالم البحر كوستو، وموريس بوكاي وغيرهم كثيرممَّن وقفنا على تفاصيل حياتهم.

يقول الأستاذ محمد قطب: والعلوم تتجَدّدُ وتَتَطوَّرُ على مدى العصور، لأنَّ الخالق العظيم أوجد في هذه العوالم أشياء لا يدركها عقل الإنسان، فظهر علم النبات والحيوان والفلك والمعادن والبحار والضوء والصوت والذرة والكهرباء والكيمياء والالكترون وعلوم أخرى لا يحصيها عدد، ولها أصول وفروع. ومن يدري ما سيظهرفي المستقبل من العلوم التي يعلِّمها الخالق لخليفته الإنسان على هذه الأرض، وقد علم الإنسان ما لم يعلم؟ وكلما ازداد الإنسان علماً، إزداد إيماناً وشعوراً وصلة بالخالق العظيم، فهذ العالم البريطاني توماس هكسلي[4]  ThomasHuxley كان أشد المتحمسين للعالم (دارون Darwin) [5]  ونظرية (النشوء والإرتقاء) ودعوته إلى أن الإنسان أصله من مجموعة القرود، وقد انعكس هذا الحكماس على أبحاثه ومؤلفاته العلمية، ولكنه سرعان ما تحول عندما بدأ يرى اللهَ في كل شيء حوله، إلى أن تجسد إيمانه أخيراً في كتابه (مكان الإنسان في الطبيعة) قال فيه: يحدثنا فيما رآه من قدرة الخالق: في شروق الشمس رأيت أعظم ما يمكن أن يراه إنسان آمن بالله.

وهل هناك أروع من تلك اللحظة التي يظهر فيها هذا القرص الهائل من نفس المكان في نفس الوقت كل يوم، فيبدّد بضوئه الظلام الذي يحتويه، كلما غربت عنا الشمس، إن الله والعلم لا يفترقان، إنهما دائماً في موعد، وفي لقاء في كل تجربة في كل بحث يقوم به العلماء للكشف عن أسرارهذا الكون

هذه الشمس أنارت الكون وأنارت عقل رجل عالم مفكرفاهتدى إلى الصواب!... والشمس أكبر من الأرض بحوالي الف الف مرة، فهل نحن متأملون مبصرون؟ وما أجمل ما قال: لذلك فإن الفرق بين المؤمن العاجز والمؤمن العالم – كما يقول أحد العلماء – هو أن المؤمن العاجز يقول:

لا نعرف فلنؤمن ْ، أما المؤمن العالم فيقول: لا نعرف فلنبحثْ، وشتان بين الإثنين[6].

نعود مرة أُرى للنظريات الخارجة عن النصوص القطعية أوالمخالفة للمنطق السليم أوالحقائق العلمية الثابتة فنقف مرة أخرى عند دراون ونظريته..

يقول الأستاذ محمد قطب: والعالم المسلم يرفض ابتداءً كل نظريةٍ تخرج مشيئة الله من أمر الخلق، وتخرج تدبيره وهيمنته من تفسير الظواهر العلمية. ومن ثم فليس كل ما يقال باسم (العلم) مقبولاً عند المسلم ولو طارت به الآفاق وطنطن به المطنطنون، كنظرية دارون التي لم تزد في الحقيقة على أن تكون فرضاً علمياً، ولكنها راجت في فترة من الفترات حتى ملأت أرجاء الأرض، واعتبر من يرفضها متأخراً أو جاهلاً...

حتى ظهرت اليوم ((نظرياتن علمية)) جديدة تكذب فكرتها الأساسية وتعطي تفسيرات لظهور الإنسان.

والمسلم بمقتضى المنهج الفكري الذي يستمده من الكتاب والسنة يرفض النظرية الداروينية الحيوان إلى الإنسان[7].

وانتهى هذا الحماس بعد أن أثبت العلم الحديث زيف هذه النظرية بالحقائق العلمية. والعجيب أننا نرى رواج هذه النظرية في بلادنا الإسلامية، ونحن صغارفي مرحلة المتوسطة درسناها دون نكير أحد من الأساتذة، وأن أصل الإنسان قرد، وعقيدتنا الإسلامية تكذبها بالأدلة القاطعة منها قوله تعالى: ﴿إِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ﴾[8].

 أخبر الله تعالى ملآئكته أني سأخلق بشراُ من طين، والطين هو التراب المعجون بالماء، بدلالة قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾[9] ، ثم بين أن مهمة هذا الإنسان أن يكون خليفته سبحانه وتعالى: ثم أمر الملآئكة أن يحيوه، وليس معنى السجود هنا أن يجعلوا جباههم على الأرض: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾[10].

وجعل سبحانه هذا الإنسان خليفته في ارضه، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَال إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[11].

ثم أنكرعلى المرتابين على ارتيابهم وإنكارهم بالعث والنشور، فبين لهم أصله، ثم الأطوارالتي يمر بها الإنسان في بطن أُمه إلى ولادته وطفولته وشبابه إلى موته بأسلوب رائع موافق لما ذكرناها آنفاً، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾[12]. وكأنَّ الحكمة الإلهية من خلق الإنسان من تراب الأرض الذي يطأ عليه بقدمه كل يوم، لكي لا يفخر أحد على أحد، ومن فعل ذلك فيقال له: من أي شيء خلقت؟ ثم بين القران أن المولود يولد ولا يعرف عن حقيقة وجوده شيئاً، ولكن الله تعالى قد هيأ له أسباب العلم – الحواس من العقل والسمع والبصر واللسان وغيرها – ليشق طريقه لعمارة الأرض قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[13].

كيف كانت صورة آدم عليه السلام بعد خلقه؟

أكانت صورته صورة بشرأم قرد؟ – حاشاه - يجيبنا قرآننا الكريم بكل صراحة:﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾[14] ، أي بأحسن صورة، فكان بشراً سوياً طويلاً، وقد جاء وصف طوله فيما رواه البخاري عن أبي هريرة t عن النبي r قال: ((خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال اذهب فسلم على أولئك من الملائكة، فاستمع ما يحيونك تحيتك وتحية ذريتك؟

فقال السلام عليكم.

فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن)) رواه البخاري[15].

وكرّمه الله تعالى وذريته من بعده، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾[16].

وخلقه على استقامة كاملة، وفطرية سوية: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾[17] ، وبين للإنسان طريق الخيروالشر: ﴿فَالهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾[18] ، والفائزمن سلك طريق الإستقامة: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾[19] ، وخاب وخسرمن خالف من وافق هواه ونفسَه الأمارة بالسوء: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾[20].

فالمسلم يتمسك بتعاليم القران بعيداً عن مناهج المضللين من أتباع دارون الذي لم يبقى له رصيد في عالمنا اليوم، بعد أنْ فَنَّدَتْ الحقائق العلمية نظريته، وذهبت جهوده أدراج الرياح، ولم يبقى لكتابه الذي نال إعجاب الكثيرين ردحاً من الزمن (أصل الأنواع) قيمة تذكر...

 



[1] سورة ال عمران الآية 190

[2] الصراع من أجل الإيمان ص56

[3] إنسان الحضارة ص44

[4] توماس هكسلي: عالم بريطاني شهير 1895م

[5] دارون 1882م عالم بريطاني القائل أصل الإنسان مجموعة قرود عديمة الذيول ومنها الإنسان

[6] إنسان الحضارة ص74-75

[7] لا اله الا الله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة، محمد قطب – دار الشروق – بيروت – ط2 /1414ه- - 1993م ص 94

[8] سورة ص الآية 71

[9] سورة الروم الآية 20

[10] سورة الحجر الآية 29

[11] سورة البقرة الآية 30

[12] سورة الحج الآية 5

[13] سورة النحل الآية 78

[14] سورة التين الآية 4

[15] في كتاب الأنبياء باب خلق آدم عليه السلام 3/1207

[16] سورة الإسراء الآية 70

[17] سورة الشمس الآية 7

[18] سورة الشمس الآية 8

[19] سورة الشمس الآية 9

[20] سورة الشمس الآية 10

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day