البحث
خطوط من الأمل
يبدي بعض المخلصين قلقًا على الدين والبلاد، ولكن هناك خطوط من الأمل نوضح بعضها..
لا بد من أمل ورجاء؛ فالله تعالى وعد بيسرٍ مقترن بالعسر حين يقدّره، ويربو عليه ضعفين، ويقترن به، ولو دخل جحرًا أو صخرة لدخل معه {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5-6] هكذا كان تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم وعد تعالى بيسر يأتي بعد العسر، يقينًا، {سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق من الآية:7]، فهذا هو المنتظر من رب العالمين تعالى..
يبقى الأمل؛ فبعد أن فسر يوسف عليه السلام رؤيا الملك كانت سنين سمان ثم أخرى عجاف، وانتهت الرؤيا لكن أردف يوسف عليه السلام بعدها بعام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون..
وللمفسرين في هذا قولان:
أحدهما: أنه بوحي، والثاني: أن هذه عادة رب العالمين تعالى وسنته؛ طالما أن العجاف انتهت في الرؤيا بسبع فإن كرم رب العالمين تعالى وعادته أن يتبعها بالفرَج.
هناك أمل دومًا.. فلما ذكر تعالى في سورة الأنعام الضّرّ ذكر بعدها كشفه، ولما ذكر الخير ذكر بعدها ما يشي باستقراره {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الأنعام:17]، فلم يسوّ تعالى بينهما بل جعل الضّر طارئًا ولفت الأنظار إلى كشفه، وجعل الخير مستقرًا وربطه بقدرته تعالى.
يبقى الرجاء.. فعندما يُغضِب المجرمون ربهم تعالى بإيذاء أوليائه فإنهم يستعجلون نقمته وأخذه {فَلَمَّا آسَفُونَا}[الزخرف من الآية:55] يعني: أغضبونا، {انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف من الآية:55].. ولهذا لما ذكر تعالى المؤمن في سورة يس ورغم أنه دخل الجنة واستبشر بها.. ولكن قتْلهم له كان سببه أنهم لم ينقموا منه إلا إيمانه بربه؛ وعندها غضب ربك تعالى فقال: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ . إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس:28-29].
ولما ذكر تعالى ما فعل المشركون بالمسلمين في غزوة أحد قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:141]، ومناسبة المحق هنا هو أن ما فعلوه برسوله وبأوليائه يقتضي استحقاق غضب رب العالمين تعالى واستعجاله عليهم.
يبقى الرجاء؛ فإن الله تعالى قال: {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم:84]، فكل ما يفعلونه معدود عليهم أنفاسًا وأيامًا وأعمالًا وأقوالًا..
كيف نقلق وكل ما يحدث لا يخرج عن قدر الله، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام من الآية:112]، وقدر الله تعالى يتضمن حكمته ورحمته مع عدله تعالى، فلن تخرج الأقدار عن هذا أبدًا.. الرحمة والحكمة والعدل.
لا تنسوا أن هذا الدين نزل من السماء لأداء مهمة معينة وهي قيادة الحياة وكشف الباطل وتعريته، وهزيمته ودمغه، وأن يسلك في قلوب المؤمنين فيخرج منهم خير نماذج في تفاعلها مع الحق ومواجهتها للباطل وأهله..
ولا تنسوا كذلك أن الله تعالى لا يتعجل الخطى، ولكنه تعالى يدبر أقداره لتعمل عبر السنين وعبر القرون، وعبر ملايين القلوب والأفئدة.. كل مخلوق معمول حسابه في ميزان الله تعالى.. وكل زمن كذلك؛ لهذا لن تجد أفضل من قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللهُ} [يونس من الآية:109]، الأول الاتباع بطاعة الأمر، والثاني الصبر على القدر، وهذا يكون بالتوكل ولهذا قال: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود من الآية:123].
كيف نقلق ومن نقف بجانب دينه ونتلقى أمره، هو من يملك جميع القلوب والأفئدة، ويملك الأقدار وأهلها ومن تجري عليهم..؟
إنكم في الجانب الآمن.. جانب رب العالمين.. فقط {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس:109].