البحث
إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ
تحت قسم :
من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
3075
2019/11/27
2024/11/15
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالت: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ".
الصلاة روحها الخشوع، والخشوع إنما يتحقق بكمال الانتباه واليقظة، وينقص إذا التفت المصلي في صلاته، أو شُغل عنها بأي شاغل من شواغل الدنيا، أو أدركه النعاس لأي سبب من الأسباب، فعندئذ ماذا يفعل؟، هل يتمادى في الصلاة أم يقطعها فينام حتى يستريح ويذهب عنه النوم ثم يعود إليها.
والجواب في هذه الوصية مصحوب بعلته.
والنظر في هذه الوصية يكشف عن سماحة الإسلام ويسره، ورفعه للحرج، ودفعه للمشقة، ورحمته لمعتنقيه
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي" أي كاد ينعس؛ لأنه إذا نعس فعلاً وهو يصلي لا يسمى مصلياً بل يسمى ناعساً. والنعاس لا يجعله يتم صلاته على النحو المطلوب؛ فالأولى أن يقدر فعل (كاد) هنا ليتأتى المعنى على وجهه.
والنعاس هو النوم الخفيف الذي يدري صاحبه بما يدور حوله ويسمع كلام من هو قريب منه.
والنعاس نوعان: نوع ضعيف، وهو الذي يدري صاحبه بما يدور حوله ونوع متوسط بين الخفيف والنوم.
وهذا النوع هو الذي لا يدري صاحبه ما يدور حوله، ولا يسمع من يتكلم وهو قريب منه، لكنه لم يستغرق في النوم، ويسميه الفقهاء بالنوم الخفيف.
والمالكية يقسمون النوم إلى أربعة أقسام:
نوم ثقيل طويل، ونوم ثقيل قصير. وهذان النوعان يتقضان الوضوء.
ونوم خفيف طويل وهذا يستحب منه تجديد الوضوء، ونوم خفيف قصير وهذا لا ينقض الوضوء ولا يستحب تجديده منه.
وإذا شعر المصلي بالنعاس الخفيف أتم ما نوى أن يصليه ثم نام.
فإذا كان قد نوى أن يصلي ركعتين وغلبه النعاس بعد أن ركع الركعة الأولى فقد انعقد العمل فلا ينبغي أن يبطله، ولكن يتمه؛ لقوله تعالى: { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } (سورة محمد: 33).
وبعد أن يسلم من هاتين الركعتين ينبغي أن ينام قليلاً ليأخذ قسطه من الراحة ثم يعود إلى صلاته إن شاء.
فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ" معناه: فلينم حتى يذهب عنه أثر النوم، وهو ما بدا عليه أثناء الصلاة بسبب تعب أصابه أو طول سهر، أو امتلاء بطن ونحو ذلك.
ثم علل هذا الأمر بقوله: "فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ" أي حالة كونه ناعساً "لَا يَدْرِي" في هذه الحالة "لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ" أي لعله يرجو أن يستغفر فيدعو على نفسه أو يتلعثم في الدعاء أو يقول عن نفسه ما لا ينبغي أن يقال.
فالسب معناه الإعابة مطلقاً، واللعن والبذاءة في الألفاظ.
والناعس في حالة لا يكون عقله حاضراً ولا سيما إذا اشتد نعاسه. فلا يليق به حينئذ أن يقف بين يدي الله عز وجل وهو فاقد العقل أو فاقد الوعي.
وحرف لعل للترجي وهو في جانب المصلي، أي لعل المصلي يرجو شيئاً لم يتحقق له بسبب الغفلة التي صحبت النعاس أو يقع منه خلاف ما يرجو.
ويصح أن تكون "لعل" للإشفاق من قبل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي أشفق عليه من أن يريد أن يستغفر فيحمله النعاس على ما لا يرجوه في صلاته، ويخلط عليه فيها.
ومثال "لعل" الدالة على الإشفاق قول الرجل: سأزور أخي لعله مريض. أي أخشى أن يكون مريضاً وأشفق عليه من ذلك.
وهناك فرق بين الصلاة المفروضة التي ضاق وقتها وصلاة التطوع.
أما الصلاة المفروضة التي ضاق وقتها فإنه يؤديها ما استطاع ويغالب النوم حرصاً على أدائها في وقتها.
وهذا التخصيص مفهوم من أدلة أخرى ورد فيها التحذير من تأخير الصلاة عن وقتها.
وإذا أراد أن يصلي صلاة مفروضة ووقتها متسع جاز أن ينام قليلاً ليأخذ قسطاً من الراحة ثم يقوم فيصلي.
وأما النافلة فإنه لا يتمادى فيها إذا شعر بالنعاس ولكن يتم الركعتين ثم ينام – كما أشرنا -.
ويؤخذ من هذا الحديث – فوق ما ذكرنا – وجوب الأخذ بالاحتياط في الصلاة؛ لأن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد علل الأمر بأمر محتمل الوقوع غالباً؛ فإن الذي يصيبه النعاس لا يدري على وجه التحديد ما يتفوه به في صلاته.
ويؤخذ منه أيضاً الحث على الخشوع وحضور القلب في الصلاة حتى تقع الصلاة على النحو الأكمل بقدر الطاقة البشرية.
ويؤخذ منه كذلك أن المسلم ينبغي أن يؤدي ما عليه من الواجبات وهو بكامل قواه العقلية والنفسية – ولا سيما – في الصلاة بوصفها صلة وثيقة بين العبد وربه، وبوصفها عماد الدين وركنه الركين، وحضور القلب فيها من الضروريات التي تجعلها مقبولة عند الله عز وجل؛ فالصلاة ذكر والنعاس غفلة، فكيف يجتمع المتناقضان في عبادة الشأن فيها أن يكون مؤديها على وعي تام بما يفعل وبما يقول؟ّ!
ويستفاد منه أن المسلم ينبغي عليه أن يهيئ نفسه للصلاة قبل الدخول فيها فينام ليستريح، ثم يصلي إن كان في الوقت متسع، ويأكل إن كان جائعاً، ولا سيما إذا حضر الطعام؛ حتى لا تنازعه نفسه في أمره فيشتغل به قلبه، ويعد المكان المريح الذي لا يجلب عليه النوم ولا الضوضاء ليتمكن من تأديتها بخشوع وخضوع، ويطرد من نفسه قبل الدخول فيها شواغل الدنيا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
ولكي لا ينام في الصلاة عليه ألا يأكل كثيراً؛ فمن أكل كثيراً، نام كثيراً ومن نام كثيراً فاته خير كثير.
ويستحب للمسلم إذا أراد أن يكثر من الصلاة – ولا سيما في الليل – أن ينشط نفسه إذا أحس بالكسل، وأن يصلي في مكان مستنير؛ لأن الظلام يجلب النوم والكسل – في الغالب – .
والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.