1. المقالات
  2. من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
  3. إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً

إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً

الكاتب : د. محمد بكر اسماعيل
6530 2019/01/08 2024/11/17

 

 
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: "إِذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ، أَوْ الْمَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْرًا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ".قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ مَاتَ. قَالَ: "فَقُولِيَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً". قَالَتْ: فَقُلْتُ، فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مِنْهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي، مُحَمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". 

 

* * *

 

حضور المسلم عند أخيه المسلم في حال مرضه بركة عليه وعلى أهل بيته – يواسيه بخير الكلام وأطيبه، ويخفف عنه آلامه بما لديه من وعظ وإرشاد وتوجيه وفكاهة وغير ذلك مما يفرح له أخوه المريض، مع مراعاة الآداب العامة التي نص عليها الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ونقلها عنه أصحابه قولاً وعملاً.
وحضوره عند موته شفاعة له؛ إذ يدعو له بما وسعه من الدعاء النافع له في قبره ويوم القيامة.

 

 
وهذا هو المراد بقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : "فَلْيَقُلْ خَيْرًا" بدليل قوله: "فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ" والتأمين طلب الإجابة عقب الدعاء. فليس هناك خير للمريض والميت من الدعاء.

 

 

 
وعلى المسلم أن يتخير لنفسه ولأخيه من الدعاء أجمله وأكمله، وهو المأخوذ مباشرة من القرآن والسنة.
وليكن الدعاء موافقاً لحال المريض وحاجته، وملائماً للميت نافعاً له في آخرته.
بل ينبغي أن يشمل بدعائه أهل المريض وأهل الميت، فيدعو لهم بما يذهب عنهم الحزن والأسى، ويردهم إلى الرضا بقضاء الله وقدره.
وهو الأمر الذي يجلب عليهم السكينة والطمأنينة، ويبشرهم بحسن العاقبة وعظيم الأجر على الصبر والشكر.

 

* * *

 

 

قالت أم سلمة – رضي الله عنها وأرضاها - : فلما مات أبو سلمة أتيت النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فقلت: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات.
إنها جاءت تخبره بموته وهي في شدة الحزن عليه؛ لأنها ما أحبت رجلاً مثله بعد رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –، لعلها تجد عنده عزاءً يسرى عنها ويسكن قلبها، فقال لها: "قُولِي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً ".

 

 
وهو دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة، فالمغفرة هي خير ما يرجوه العبد من ربه – عز وجل – فمن غفر الله له عافاه في دنياه وآخرته.
والمسلم إذا دعا بدأ بنفسه كما في هذا الحديث؛ لأن الدعاء قربة، والقربات لا يفضل فيها المسلم أحداً على نفسه.
ومعنى قوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً": ولي علي من الرجال زوجاً تحمد عواقبه، وتؤمن بوائقه، ويكون لي كأبي سلمة أو أفضل منه.

 

 
وهذا ما ينبغي أن تدعو به كل امرأة مسلمة يموت عنها زوجها، بدلاً من أن تصرخ وتولول، وتشق الجيوب وتلطم الخدود، وتدعو بدعوى الجاهلية؛ فتبوء بإثمها وإثم من يشترك معها في ذلك، وإثم من يراها ولا ينهاها.
فإن دعت ربها بهذا الدعاء أعقبها الله عقبة حسنة، وأصلح من شأنها في الدنيا، وعظم أجرها يوم القيامة، وليس هناك ما يتقرب به العبد إلى ربه أعظم من الصبر والشكر والدعاء، فالصبر: نصف الإيمان، والشكر: نصفه الآخر، والدعاء: مخ العبادة.{ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } (سورة النمل: 62).
وهو الذي قال وقوله الحق: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (سورة البقرة: 186).

 

* * *

 

 

قالت أم سلمة – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – : فقلت، فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مِنْهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنه، مُحَمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". أي قلت ما أمرني أن أقول فبدلني الله خيراً من أبي سلمة خَلقاً وخُلقاً، وأكرن منه حسباً ونسياً، وأفضل منه حالاً ومآلاً، وهو محمد – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –، فبه عظمت المنة وتمت النعمة.

 

 

 
وقد ذكرت ذلك أم سلمة لعدة خواطر كانت تدور في نفسها، منها:
أنها قد عبرت بما قالت عن شدة حبها لزوجها أبي سلمة، وعظيم فرحها وسرورها وحبورها بصيرورتها من أمهات المؤمنين وفي صحبة خير المرسلين وخاتم النبيين في الدنيا وفي جنات النعيم، في مقام تقطعت دونه الأعناق.

 

 
ودار في خاطرها يوم مات زوجها أنها لا تجد خيراً منه، ولكنها راجعت نفسها فور هذا الخاطر وأدركت أن الله سيؤجرها في مصيبتها ويعوضها خيراً من أبي سلمة فاسترجعت، أي قالت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فكان الله عند حسن ظنها به، فأبدلها خير خلقه، فنعمت بعشرته، وسعدت به أيما سعادة.

 

 

 
وقد حدثها أبو سلمة قبل موته حديثاً أخرجه مسلم في صحيحه أنه سمع رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول: "مَا مِنْ عبد يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَفْزَعُ إِلَى مَا أَمَره اللَّهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ آجُرْنِي في مُصِيبَتِي وَعَوِّضْنِي خَيْرًا مِنْهَا - إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ في مصيبته، وكان قمناً – أي جديراً – أن يعوضه خَيْرًا مِنْهَا".
 قالت – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – : فلما هلك أبو سلمة ذكرتُ الذي حدثني به عن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فكنت أقول: "إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ آجُرْنِي في مُصِيبَتِي وَعَوِّضْنِي خَيْرًا مِنْهَا"، ثم قلت: أني أعاض خيراً من أبي سلمة!! وأنا أرجو أن يكون الله قد آجرني في مصيبتي.

 

 

 
وذكر ابن سعد بإسناده في الطبقات الكبرى أن أبا سلمة  – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – دعا لها قبل موته فقال: "اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلاً خيراً مني، لا يحزنها ولا يؤذيها. فلما مات أبو سلمة قالت: من هذا الذي هو خير من أبي سلمة!!.

 

 
وذكر ابن عبد البر في الاسيتعاب أن أبا سلمة قال عند وفاته: "اللهم احلفني في أهلي بخير" فأخلفه رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على زوجته أم سلمة فصارت أما للمؤمنين، وعلى بنيه: سلمة وعمر وزينب ودرة.

 

* * *

 

 

ولكن من هو أبو سلمة ومن هي أم سلمة؟ ليكن جوابنا عن هذين السؤالين مسك الختام، فنقول:
أبو سلمة هو: عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، الصحابي ذو الهجرتين، ابن عمة المصطفى – برة بنت عبد المطلب بن هاشم – وأخوه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة، مولاة أبي لهب.

 

 
وأما أم سلمة فهي: هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم، القرشية المخزومية.
أبوها: أحد وجوه قريش المعدودين، وأجوادهم المشهورين، وقد ذهب علي الدهر بلقب "زاد الركب"؛ لأنه كان يطعم الركب كله في ذهابه وإيابه من زاده.
وأمها: عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقمة الكنانية، من بني فراس الأمجاد، وكان جدها علقمة، يلقب بجذل الطعان.

 

 
وكان لأبي سلمة، ولزوجه هند، إلى جانب النسب العريق، ماض مجيد في الإسلام، فقد كان من بين السابقين الأولين، وهاجرا مع العشرة الأولين إلى الحبشة، حيث ولدت هند هناك ابنهما سلمة.
ثم قدما مكة، بعد تمزيق صحيفة المقاطعة، وقد ضرى اضطهاد قريش للمسلمين. فلما أذن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لأصحابه في الهجرة إلى يثرب بعد بيعة العقبة الكبرى، أجمع "أبو سلمة" أمره على الهجرة بأهله، فكانت قصة خروجهما مأساة ما تزال – على بعد العهد بها وتطاول الآماد – مثيرة أليمة الوقع.

 

 
حدثت أم سلمة – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – قالت: "... لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة، رحل بعيراً له وحملني وحمل معي ابني سلمة، ثم خرج يقود بعيره، فلما رآه رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد!!
ونزعوا خطام البعير من يده وأخذوني، فغضبت عند ذلك بنو عبد الأسد، وأهووا إلى ولدنا سلمة، وقالوا لرهط زوجي:
والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. فنتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به رهط أبيه، وحبسني بنو المغيرة عندهم.
ومضى زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة. وفرق بيني وبين زوجي وابني، فكنت أخرج كل غداة وأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريباً منها.
حتى مر بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة، فرأى ما بي، فرحمني فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة؟، فرقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها.

 

 
وما زال بهم حتى قالوا: ألحقي بزوجك إن شئت ورد علي بنو عبد الأسد عند ذلك ابني، فرحلت بعيري ووضعت ابني في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله...حتى إذا كنت بالتنعيم – على فرسخين من مكة – لقيت عثمان بن طلحة فقال: أين يا بنت أبي أمية؟
قلت: أريد زوجي بالمدينة. قال: هل معك أحد؟فقلت: لا والله، إلا الله وابني هذا.فقال: والله ما لك من مترك.
وأخذ بخطام البعير فانطلق معي يقودني، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب أراه كان أكرم منه. إذا نزل المنزل أناخ بي ثم تنحي إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه ورحله، ثم استأخر عني وقال: اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري، أتى فأخذ بخطامه، فقاد حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء – وكان بها منزل أبي سلمة في مهاجره – قال: إن زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعاً إلى مكة.

 

 

 
فكانت أم سلمة أول ظعينة دخلت المدينة، كما كانت من المهاجرين الأولين إلى الحبشة، وكذلك كان زوجها أبو سلمة: عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، أول من هاجر إلى يثرب من أصحاب رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهَا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين.

 

 

* * * 

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day