البحث
الحديث الثاني: (أتدرون من المفلس؟)
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»
المعاني:
المفلس: من لا مال له.
قذف هذا: اتهمه بالزنا.
سفك دم هذا: أراق دمه.
الفوائد (34 فائدة)
الفوائد العقائدية:
1. الله عز وجل عدل لا يظلم الناس، إنما هي أعمالهم يحصيها لهم ثم يحاسبهم عليها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
2. الله عز وجل هو الحق ولذلك يرد الحقوق لأصحابها.
3. الاقتصاص واستيفاء الحقوق موقف مهيب من أجل مواقف يوم القيامة.
4. الحسنات والسيئات هي عملة الاقتصاص في الآخرة.
5. حقوق العباد لا تسقط وهي مع صاحبها حتى يؤديها في الدنيا، وقد تسوفي كافة حسناته حين يُقضى فيها يوم القيامة، أما حقوق الله عز وجل فهي في مشيئته سبحانه إن شاء عفا وإن شاء عاقب عليها.
6. الحقوق المتعلقة بالعباد لا تسقط بالاستغفار أو كثرة العبادات، بل لابد من التحلل منها وردّ الحقوق إلى أصحابها.
7. قد يجتمع في مسلم طاعات ومعاصٍ وفسوق يصل إلى حد الكبائر.
8. عدم كفر فاعل الكبيرة وإن استكثر وأسرف.
9. يدخل النار بعض من المسلمين من أصحاب الطاعات والعبادات.
10. السيئات تجسد يوم القيامة بهيئات معينة وإلا كيف ستطرح على المفلس؟
الفوائد الفقهية:
1. حرمة الظلم وخاصة المتعدي للغير.
2. وجوب التوبة ووجوب استحلال أصحاب الحقوق في الدنيا، أو الخضوع للعقوبة الدنيوية.
*الفوائد التربوية: -*
1. الحديث يعتمد أسلوبا تربويا يقوم على الحوار بين المعلم والمتعلم حيث يبدأ المتعلم بتقديم خبرته الذاتية ومعلوماته السابقة حول الموضوع، ثم يقوم المعلم بإعادة صياغة المفاهيم لتندرج داخل منظومة المفاهيم الجديدة للمتعلم.
الفوائد الدعوية:
1. أسلوب التشويق في العرض على المستمعين بالبدء بالسؤال، وليس بالضرورة أن من يطرح سؤال يكون جاهلا بالإجابة
2. التخويف من المعاصي ببيان مآلها حتى لا يقع فيها المسلم.
الفوائد العامة:
1. الحسنة بعشر أضعافها إلى سبع مئة ضعف والسيئة بمثلها، فيأتي صاحب الصلاة والصيام والزكاة فتغلب آحاده مئاته، وفي ذلك دعوة للمحاسبة وعدم الاغترار.
2. لم يأت بالصلاة ولا بالصيام ولا بالزكاة يوم القيامة إلا لأنها كاملة مقبولة عند الله، ومع ذلك لم تحجزه عن ارتكاب الكبائر، لأن الإنسان يضعف أمام هواه، بل يأسره الهوى حتى يهلكه.
3. مقياس غنى الإنسان في الدنيا بالدراهم أو المتاع أو كلاهما، فمن كان له متاع وممتلكات وإن لم يكن له درهم ودينار فليس بمفلس.
4. بث الصبر في نفوس المؤمنين، حيث سترد مظالمهم ويجازى من ظلمهم بين يدي الله.
5. هناك فرق بين الاعتبار اللغوي والاعتبار الشرعي، فالأول يتخذ اللفظ فيما وضع له في الدنيا وهو صحيح بهذا الاعتبار، ولكن الاعتبار الشرعي يراعي المآلات وينبه إلى الحقيقة التي تسترها الدنيا بزخرفها والتي يتنبه الإنسان لها بعد فوات الأوان.
6. يجب على المرء أن يتبع السيئة التي عملها من قذف وشتم وضرب وسفك بحسنة تمحو ما قدمت يداه من أخطاء قبل يوم القيامة.
7. عظمة حقوق العباد عند الله، فلا تجد مثالا في الحديث لذنب بين العبد وربه.
8. الحديث لم يقصر إثم الظلم على حقوق المسلمين فحسب بل يشمل حقوق الخلق كافة وإن كانوا كفارا.
9. على اصحاب السلطة (الحاكم/القاضي/المدير/المعلم/الوالد ...) على من دونهم أن يعلموا أنهم سيرجعون إلى الله وسيسألهم عن استخدام السلطة.
10. المعاملات هي المحك الرئيسي لإيمان المسلم، والعبادات تزود الإنسان بالطاقة للثبات أمام هذا المحك.
11. الصلاة والصيام والزكاة أعظم العبادات أجرا حتى ضُرب بها المثل في كثرة الحسنات.
12. من أعظم مكفرات الذنوب التنفل بالصلاة والصيام والصدقة.
13. المفلس في الدنيا قد يتغير حاله الى غنى ويسار فالوصف فيه مؤقت وقد يتغير، أما البائس والذي وصف الإفلاس له دائم ولا يتغير فهو مفلس الآخرة، وهو الأجدر بهذه الصفة.
14. أخفى الله أحجام الحسنات والسيئات فلا نعلم كم من الحسنات يكافئ كم من السيئات، فقد تهوي كلمة بصاحبها في النار سبعين خريفا، وقد تورث كلمة صاحبها النعيم المقيم.
الفوائد اللغوية:
1. الحسنة تُعطَى والخطيئة تُطرح، فيه علو الحسنة وسُفل الخطيئة.
2. هوان العبد عند دخوله النار لقول النبي صلى الله عليه وسلم ثم طرح في النار فالطرح يدل على الهوان.
3. دقة لفظ فنيت أي زالت وانتهت، فيدل على أنها طاعات مقبولة له بها حسنات مكتوبة لكنها تفنى بسبب الدماء والأموال والأعراض التي وقع فيها.
4. استخدام من للعاقل وما لغير العاقل استخدام أغلبي، وقد جاءت في سورة الكافرون (ولا أنتم عابدون ما أعبد) فلا يصح اعتبار المفلس هنا بمثابة غير العاقل، ولكن السؤال عن صفة المفلس.
5. تكرار كلمة (هذا) يوحى لنا أن المذنب قد تعددت أذيته إلى عدة أشخاص وليس شخص واحد بعينه، فربما يعفو أحدهم وآخر لا يعفو.
6. إن حق المظلوم على الظالم هو رد مظلمته وتبرئة ذمته، فالموقف بين ظالم تائب ومظلوم متمسك بحقه رافض للمسامحة هو عرض رد المظلمة إذا كان ذلك ممكنا، وطلب السماح من المظلوم، فإن أبي المظلوم فليس على الظالم التائب إلا اللجوء إلى الله لإرضاء المظلوم يوم القيامة، وليس عليه كثرة التذلل للمظلوم والتعرض لاسترضاءه، فليس في الشرع - مع تعظيم حق المظلوم - تأليه المظلوم في هذا الموضع بل قلبه بيد الله والأمر كله بيد الله حتى لو كان الأمر متعلقا بحقوق العباد.