1. المقالات
  2. تدبر حديثًا
  3. الحديثان التاسع والعشرون والثلاثون: (التعامل مع الأوبئة وأجر الصابر فيها)

الحديثان التاسع والعشرون والثلاثون: (التعامل مع الأوبئة وأجر الصابر فيها)

تحت قسم : تدبر حديثًا
2955 2020/09/02 2020/09/03
المقال مترجم الى : English
الحديثان التاسع والعشرون والثلاثون: (التعامل مع الأوبئة وأجر الصابر فيها)

روى الشيخان، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أَهْلُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ، فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ - وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَهُ - نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا خَصْبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ، قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» قَالَ: فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ انْصَرَفَ وروى البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَقَالَ: "كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِي بَلَدٍ يَكُونُ فِيهِ، وَيَمْكُثُ فِيهِ لاَ يَخْرُجُ مِنَ البَلَدِ، صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ»   

المعاني:

سَرْغَ: موضع في الطريق إلى الشام، قبل تبوك وهو آخر الحجاز.

أَهْلُ الْأَجْنَادِ: قيادات الجيش في الشام.

مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ: أفاضل الناس.

ارْتَفِعُوا عَنِّي: اخرجوا عني.

مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ: الذين هاجروا إلى المدينة عام فتح مكة وقبل الفتح، أو هم الذين تحولوا إلى المدينة بعد فتح مكة، أطلق عليهم مهاجرة تشبيها بالمهاجرين الأوائل وليس حقيقة، لأن الهجرة بعد الفتح قد ارتفعت حكماً وفضيلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح".

مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ: أركب ظهر جملي في الصباح عازمًا على العودة للمدينة المنورة.

عُدْوَتَانِ: مثنى ومفرده العُدْوَة وهو جانب الوادي.

جَدْبَةٌ: قليلة النبات.

الطَّاعُونِ: قد يقصد به مرض معين على هيئة أورام جلدية يصاحبها قيء وإسهال ثم وفاة، وقد يقصد به أي وباء سريع الانتشار كثير الوفيات

مُحْتَسِبًا: يعمل العمل راجيا ثواب الله.

الفوائد ( 37 فائدة)

الفوائد العقائدية: 

1. قَدَرُ الله عز وجل ينقسم إلى قسمين:

الأول: ما قدر الله وقوعه في هذه الحياة من خير أو شر، قدَّره لحكمة قد نعلمها أو لا نعلمها، مثل المرض وتسلط الكفار، وهذا النوع هو الذي قصده عمر بقوله" "نفر من قدر الله".

الثاني: ما أمر الله به أو نهى عنه في الشرع المطهر في مواجهة أقداره، وهو ما قصده عمر بقوله: "إلى قدر الله"، فندفع قدر المرض بقدر الدواء، وقدر تسلط الكفار بقدر الجهاد.

2. الإيمان بالقدر ليس دعوة انهزامية اعتزالية، ولكنه دعوة للجهاد في الحياة، ودفع الأقدار بالأقدار، فليس القدر مبررا للفشل، ولكنه في حقيقته حافز للجهاد والنجاح.

3. معنى قول الله عز وجل: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) فكل ما وجِد في هذه الحياة هو بقدر الله، لذلك قال عمر (نفر من قدر الله إلى قدر الله) .

4. معنى قوله صلى الله عليه وسلم في أذكار النوم: "لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك" وهو: "نفر من قدر الله إلى قدر الله".

فوائد تتعلق بالأوبئة:

1. العبرة في الوباء وأحكامه بسرعة الانتشار وكثرة الوفيات فتعمم أحكامه على كل الأمراض التي تأخذ هذا الشكل وليس مرض الطاعون فحسب.

2. الدخول والخروج من مكان الوباء ممنوع شرعا إن كان فرارا من المرض.

3. جواز الخروج والدخول إلى الأماكن الموبوءة إن لم يكن فرارا وجزعا، بشرط التأكد من الحالة الصحية لمن يخرج بإجراء الفحوصات الطبية اللازمة حتى لا ينشره في أماكن أخرى، ومثاله الأطقم الطبية التي تعالج المرضى ومن يقومون بإدخال الإمدادات الطبية والغذائية التي تحتاجها المدن المحجورة.

4. نيل أجر الشهادة لمن مات في الوباء متوقف على الصبر على البلاء، واحتساب الأجر عليه، ويثبت له أجر الشهادة ولو أصيب ثم شفي، ويثبت أيضا لو لم يمت في الوباء ومات بعده بأعوام، لأن الحديث علق الأجر بالصبر والاحتساب وليس بالموت بالمرض.

5. تطبيق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فصبروا"، فالمرء لا يقدم على أرض وقع بها الطاعون ولكن إذا وقع بأرضه يجب عليه الصبر والتسليم لقضاء الله.

6. سعة شريعة الإسلام وشمولها لكل ما يتعلق بمصالح الخلق الدنيوية، فلقد سبق التشريع الإسلامي الطب الحديث في مسألة الحجر الصحي على أماكن الأوبئة.

فوائد في التشاور والسياسة الشرعية: 

1. بركة المشورة وأثرها في اتخاذ القرارات، وأنها سبب رئيسي للتوفيق للحق والصواب.

2. مشاورة الحاكم أهل الحل والعقد من العلماء وأهل الخبرة في النوازل العامة. 

3. القرار النهائي للحاكم بعد التشاور.

4. مبحث إلزام الحاكم بمقتضى الشورى محل خلاف بين أهل العلم، وفي الحديث ما يؤيد أنها غير ملزمة له.

5. لا يعتد برأي الأغلبية في إلزام الحاكم، وإن كانت ثمة وقائع في السنة أخذ بها الرسول صلى الله عليه وسلم بالأغلبية وأشهرها التشاور يوم أحد في ملاقاة الكفار داخل المدينة أو خارجها، ولم يكن ذلك على سبيل الإلزام.

6. هناك مواضع عديدة خالف فيها الحاكم رأي الأغلبية، وكان التوفيق معه ومن أشهرها مخالفة أبي بكر الصديق لغالبية الصحابة وإصراره على قتال أهل الردة.

7. الاعتداد بأهل السن والخبرة وكثرة التجارب في اتخاذ القرارات، فالذي رجح كفة الرجوع هو رأي مشيخة قريش من كبار السن، وذلك ليس لأنهم كثروا سواد من قال بهذا الرأي من المهاجرين الأولين والأنصار، وإنما بما لهم من خبرة وتجارب في الحياة، فلا يشترط دائما أن يكون الحق مع الكثرة.

8. قد يوفق الله المفضول للحق قبل الفاضل، فالمهاجرون الأولون والأنصار خير من مهاجرة الفتح، ورغم ذلك كان رأي مهاجرة الفتح أقرب للخطاب الشرعي.

9. في حال عدم وضوح الحق فإن استفراغ الإمام وسعه للوصول للحق لا يمنعه من أخذ موقف حازم عند اتخاذ القرار، "إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه". 

10. خروج الإمام بنفسه لمتابعة أحوال رعيته، ولا شك أن هذا له أكبر الأثر في ضبط أمور الدولة وقمع أهل الفساد والظلم وإقامة شعائر الإسلام.

11. تلقي الأمراء ووجوه الناس الإمام عند قدومه، وإعلامهم إياه بما حدث في بلادهم من خير وشر، ووباء، ورخص، وغلاء، وغير ذلك.

فوائد في فضائل عمر بن الخطاب: 

1. عمق فهمه لمقاصد الشرع، فقد أخذ القرار بعدم الدخول على أرض الشام بسبب ما وقع بها من الطاعون، مع أنه لم يكن بلغه في هذه المسألة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغه حمد الله على موافقة اجتهاده للنص الشرعي.

2. بيان معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد كان فيما كان قبلكم من الأمم ناس مُحَدَّثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر)، والمعنى أنه ملهم وهو من أُلقي في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى، فيكون كالذي حدثه غيره به.

3. فهم عمر الدقيق لمسألة الإيمان بالقضاء والقدر والتي ضل بسببها الكثير من الخلق.

فوائد في فضائل الصحابة: 

1. فضل المهاجرين الأولين وهم الذين صلوا إلى القبلتين وكانوا حاضرين في هذا الموقف.

2. حاجة الخلق إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم الوساطة بين رسول الله ومن بعده ممن لم يروه، فهم الذين نقلوا للأمة الكتاب والسنة، لذلك قال المهاجرون الأولون والأنصار "معك بقية الناس".

3. مكانة أبي عبيدة بن الجراح وفضله، وأنه من أهل الفهم والفقه وبيان منزلته عند عمر بن الخطاب.

الفوائد العامة:

1. التأكيد على معنى قول الله عز وجل (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).

2. تنزيل الناس منازلهم وبيان تفاوتهم في الفضل.

3. من حسن الأخلاق حفظ مكانة الناس وقدرهم "لو كان غيرك قالها".

4. معنى قول الله عز وجل: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم"، فالله عز وجل كان يرسل الطاعون عذابا على الكافرين، أما أهل الإيمان والتوحيد فجعله رحمة لهم يرفع به الدرجات ويكفر به السيئات، وعلى ذلك تُفسر كل صور البلاء العام للأمة، فهي إما رحمات ترفع الدرجات، أو إنذارات للرجوع إلى الله.

5. تعدد أصناف الشهداء في الشرع وأن نيل الشهادة لا يقتصر على شهيد المعركة.

6. مبادرة العالم إلى تبليغ ما عنده من العلم عند الحاجة إليه قبل أن يسأله أحد، فعبد الرحمن بن عوف بادر إلى الإخبار بحديث رسول الله لحاجة الناس إليه في هذا الموضع ولم ينتظر أن يسأله أحد.

فوائد في أصول الفقه: 

1. قبول خبر الواحد إذ إن الحديث وصل إلى عمر رضي الله عنه من طريق عبد الرحمن بن عوف فقط، فقبله منه ولم يسأل غيره من الصحابة عن صحة الخبر.

2. إثبات الاجتهاد في المسائل التي ليس فيها نص من كتاب ولا سنة.

3. التماس الأعذار لأهل العلم ممن خالف قوله واجتهاده حديثا صحيحا صريحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقول لعله لم يبلغه، فإذا كان هذا الحديث خفي على أكابر الصحابة الذين كانوا مع عمر فمن باب أولى من هو دونهم.

لتحميل الكتاب اضغظ هنـــا

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day