البحث
المسألة الثالثة: التربية والتدريب على العمل بالسنة
إن العمل بالسنة وتطبيقها يحتاج إلى التدرج في التطبيق شيئا فشيئا، وينبغي أن يبدأ ذلك في وقت مبكر منذ سنوات الطفولة الأولى بحيث يتسع الوقت للبناء، وتوجد مساحة كافية للتدريب والتكرار حتى ترسخ العادات التربوية الجيدة.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
حافظوا على أبنائكم في الصلاة وعودوهم الخير فإن الخير عادة.
(1)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
تعودوا الخير عادة، و إياكم و عادة السواف من سوف إلى سوف.
(2)
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال:
عودوا أنفسكم الخير؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخير عادة ،والشر لجاجة، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
(3)
إن كل عمل دلنا عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حري بنا أن نعود أنفسنا عليه، وكل عمل من هذه الأعمال له مستويات ودرجات و يؤخذ بالتدريج يوما بعد يوم، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، ولا نظن أن ما نسمع عن السلف من اجتهاد في الأعمال الصالحة جاء طفرة وفجأة إنما جاء بالتدريج والتربية والتعويد سواء كان في تربية الإنسان لنفسه أو تربية المربي لغيره، فلا يمكن أن يحصِِّل الشخص كل أبواب الخير وبأعلى درجة في يوم أو في سنة وأيضا ليس مطلوبا منه ذلك إنما البناء يكون بالمجاهدة والمصابرة وبالرياضة. وأن يبدأ رحلة المجاهدة وفي نيته إتمامها، ولو مات قبل إكمالها فإنه يكتب له ثواب ما نوى، وأن يكون خط سير الرحلة على الأحاديث، نبدأ بها حديثا حديثا، وكل حديث أيضا نأخذه بالتقسيط فمثلا حديث أبي هريرة أوصاني خليلي بثلاث: نبدأ أولا بأن نتعود أن نوتر قبل أن ننام، ثم بصلاة الضحى، ثم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإذا أتقناه ذهبنا للحديث الذي بعده، فتكبر وتنمو حصيلتنا التربوية يوما بعد يوم فتضفي على حياتنا النور والبهجة والسرور، وتسهم بشكل سريع وقوي في علاج مشاكلنا الموجودة ووقايتنا مما لم يوجد.
الإنسان مركب ومكون من آلاف العادات الصغيرة التي تتشكل وتتركب مع بعضها لتكون عادات أكبر ثم تشكل الشخصية الكلية للإنسان.
ومن المعلوم أن في بداية تركيب وتثبيت العادة وبنائها يحصل شئ من الاهتزاز والتأرجح حتى تثبت وتصلب.
أما من يريد أن يأخذ الأعمال والدين جملة فإنه يذهب عنه جملة، وتنقضي حياته ولم يترق أو يصعد في سلم الخير.
وأذكِّر هنا بما قلته في كتاب (مفاتح تدبر القرآن) : أن مفتاح الإشعال والمنطلق في بناء الذات وتكوين المهارات هو القيام بالقرآن فهو الذي يهيئ النفس لتكون أرضا صالحة للزراعة وتربة خصبة تنمو فيها خصال الخير بقوة وحيوية.
إن المتربي بالإضافة إلى عمله وتطبيقه لهذه الأحاديث يتعلم أمرا مهما بل في غاية الأهمية إنه يتعلم كيف يعمل بالسنة كيف يتعامل معها، وكيف يطبقها خطوة بخطوة وبشكل مباشر.
إننا بنبغي أن نتربى على الفورية والمباشرة مع السنة وألا يكون بيننا وبينها وسطاء ننتظر منهم أن يقدموها لنا حتى إذا وصلتنا لا نذوق طعمها وحلاوتها، ونتهيب أن نحاول قراءة أو تطبيق أمر آخر غير ما قدموه لنا.
--------------------------
1- شعب الإيمان: 9 - 236
2- المعجم الكبير:7 - 386 ، شعب الإيمان: 7 - 386
3- مسند الشاميين:3 - 250