1. المقالات
  2. مواعظ الإمام إبراهيم بن الأدهم
  3. رسالة الإمام إبرهيم بن الأدهم

رسالة الإمام إبرهيم بن الأدهم

الكاتب : صالح أحمد الشامي
568 2021/01/12 2024/11/23

كتب إبراهيم بن أدهم إلى بعض إخوانه: 

أما بعد:

فعليك بتقوى الله الذي لا تحل معصيته، ولا يرجى غيره، واتق الله، فإنه من اتقى الله عز وجل عز وقوي، وشبع وروي، ورفع عقله عن الدنيا: فبدنه منظور بين ظهراني أهل الدنيا، وقلبه معاين للآخرة. فأطفأ بصر قلبه ما أبصرت عيناه من حب الدنيا:

فقذر حرامها، وجانب شهواتها، وأضر بالحلال الصافي منها، إلا ما لا بد له، من كسرة يشد بها صلبه، أو ثوب يواري به عورته، من أغلظ ما يقدر عليه وأخشنه.

ليس له ثقة ولا رجاء إلا بالله، قد رفعت ثقته ورجاؤه من كل شيء مخلوق، ووقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء.

فجد وهزل، وأنهك بدنه لله، حتى غارت العينان، وبدت الأضلاع، وأبدله الله تعالى بذلك زيادة في عقله، وقوة في قلبه، وما دحر له في الآخرة أكثر.

فارفض - يا أخي - الدنيا، فإن حب الدنيا يصم ويعمي، ويذل الرقاب.

ولا تقل غداً وبعد غد، فإنما هلك من هلك بإقامتهم على الأماني، حتى جاءهم الحق بغية وهم غافلون، فنقلوا - على إصرارهم - إلى القبور المظلمة الضيقة، وأسلمهم الأهلون والولد.

فانقطع إلى الله بقلب منيب، وعزم ليس فيه شك، والسلام (1).

حب لقاء الناس

قال إبراهيم:

حب لقاء الناس من حب الدنيا، وتركهم من ترك الدنيا (2).

ظالم ومقتصد وسابق

عن إبراهيم بن أدهم في قوله تعالى:

{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِۦ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌۢ بِٱلْخَيْرَٰتِ} (1).

قال:

السابق: مضروب بسوط المحبة، مقتول بسيف الشوق، مضطجع على باب الكرامة.

والمقتصد: مضروب بسوط الندامة، مقتول بسيف الحسرة، ومضطجع على باب العفو.

والظالم لنفسه: مضروب بسوط الغفلة، مقتول بسيف الأمل، مضطجع على باب العقوبة (2).

رسالة وصية بالتقوى

كتب إبراهيم بن أدم إلى عبدالملك مولاه:

أما بعد:

أوصيك بتقوى الله، إنه جاءني كتابك، فوصلك الله. . .

ثم إن الله تعالى أحسن إلينا، وأبقانا بعد الجيران، فنعوذ بالله أن يكون إبقاؤنا لشر، فإنه لا يؤمن مكره. والأعمال بالخواتيم.

وإنه من خافه: لم يصنع ما يحب، ولم يتكلم بما يشتهي.

وينبغي لصاحب الدين أن يرجو في الكلام ما يرجو في الفعل، وأن يخاف منه ما يخاف من الفعل، وذلك إلى الله.

فإن استطعت أن لا يكون عندك أحد هو آثر من الله، فراقبه في الغضب والرضا، فإنه يعلم السر وأخفى، ويغفر ويعذب، ولا منجا منه إلا إليه.

فإن استطعت أن تكف عما لا يعنيك، وأن تنظر لنفسك!! فإنه لا يسعى لك غيرك.

إن الناس قد طلبوا الدنيا بالغضب والرضا، فلم ينالوا منها حاجتهم، وإنه من أراد الآخرة كان الناس منه في راحة، لا يخدع من ذلها، ولا ينازعهم في عزها. هو من نفسه في شغل، والناس منه في راحة.

فاتق الله، وعليك بالسداد.

فإن من مضى إنما قدموا على أعمالهم، ولم يقدموا على الشرف والصوت والذكر، فإن الله تعالى أبى إلا عدلاً. أعاننا الله وإياكم على ما خلقنا له، وبارك لنا ولكم في بقية العمر، فما شاء الله.

وأما ما ذكرت من أمر القصر، فلا تشقوا على أنفسكم.

إن جاءكم أمر في عافية فلله الحمد، وإن كانت بلية، فلا تعدلوا بالسلامة، فإنه من ترك من أمره ما لا ينبغي أحق بالجزع منكم.

إنا قد أيقنا أن الناس لا يذهبون بحقوق الناس، والله معط كل ذي حق حقه. وسعي الناس: لهم وعليهم، والجزاء غداً.

فإن استطعتم أن لا تلقوا الله بمظالم. فأما ما ظُلمتم فلا تخافوا الغلبة، فإن الله لا يعجزه شيء.

فمن علم أن الأمور هكذا، فليكبر على نفسه وليقض ما عليها. فإن غداً أشده وأضره. حسبنا الله ونعم الوكيل.

وأما من بقي من الجيران فأقرئهم السلام، فقد طال العهد (1).


المراجع

  1. إحياء علوم الدين 2/ 63.
  2.  حلية الأولياء 8/ 18 - 19.
  3.  حلية الأولياء 8/ 19.
  4. سورة فاطر: الآية 32.
  5. حلية الأولياء: 8/ 37.
  6. حلية الأولياء 8/ 14- 15.
المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day