1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. تربية وئيدة الخطى

تربية وئيدة الخطى

الكاتب : صالح أحمد الشامي

3- تربية وئيدة الخطى:

وننظر في حساب الزمن، فنجد أن هذه التربية استغرقت ثلاثة عشر عاما، وننظر في حساب الوحي فنجد أن أكثر من نصف القرآن نزل في هذه المدة. .

لم تكن المهمة سهلة، إنها تعامل مع نفوس بشرية، كانت الغاية منه تغيير هذه النفوس، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ثم التغيير بهذه النفوس. .

ولقد سميت مهمة التعامل مع النفوس تربية، ذلك أنها تكون تعهداً حالاً بعد حال إلى حد  التمام (1).

إن طبيعة العملية التربوية تحتاج إلى وقت، وإذا كانت هذه العملية تشمل ساحة النفس كلها على السطح، وتصل إلى الأعماق في الاتجاه الأخر. فذلك يفسر لنا الحاجة إلى ذلك الوقت الذي ذكرناه، وإلى كل تلك الآيات التي نزل بها الوحي في هذه المدة.

ويشرح سيد - رحمه الله - كيف تمت هذه التربية فيقول:

"هذه الجماعة المثالية التي تمثلت حقيقة واقعة في فترة من فترات التاريخ، لم تنبت فجأة ولم توجد مصادفة، ولم تخلق بين يوم وليلة، كذلك لم تظهر نتيجة نفحة تغير طبائع الأشياء كلها في لحظة أو ومضة. بل نمت طبيعياً بطسئاً كما تنمو الشجرة الباسقة العميقة الجذور، وأخذت الزمن اللازم لنموها، كما أخذت الجهد الموصول الثابت المطرد الضروري لهذا النمو، واحتاجت إلى العناية الساهرة، والصبر الطويل، والجهد البصير في التهذيب والتشذيب، والتوجيه والدفع، والتقوية والتثبيت، واحتاجت إلى معاناة التجارب الواقعية المريرة، والابتلاءات الشاقة المضنية، مع التوجيه لعبرة هذه التجارب والابتلاءات. . "(1).

4- التربية وقيمة العمل:

مما تقرره هذه التربية في النفوس أن "العمل" - أي عمل، سواء أكان مادياً أم معنوياً - إنما يستمد قيمته من الباعث الذي دفع إلى القيام به، أو ما نعبر عنه بـ"النية".

وهذا المقياس في التقويم له نتائج عظيمة في واقع الحياة، حيث يقوم المؤمن بالعمل أداء للواجب أو إسهامااً في الخير. . امتثالاً لأمر الله تعالى، ولا ينتظر النتائج. ذلك أن تقدير قيمة العمل لا تتوقف على حصول النتيجة أو شعور القائم به أنه وصل إلى نتيجة.

قال صلى الله عليه وسلم: "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة" ومات ياسر وقبله ماتت زوجته سمية، ولم يشعرا أنهما وصلا إلى نتيجة. . ولكن الجزاء ليس مرتبطاً بالنتيجة وإنما بالعمل. .

وعدم شعور المؤمن بالوصول إلى نتيجة لا يعني عدم هذه النتيجة، فإنه في كثير من الأحيان قد تكون هذه النتيجة غير منظورة. . وقد تأتي متأخرة.

نكتفي بهذا القدر من السمات وبها نختم حديثنا عن هذا الموضوع.

خلاصة المرحلة المكية

كانت حصيلة الدعوة في مكة عدداً لا بأس به من المؤمنين والمؤمنات، استطاعوا أن يبرهنوا أن عقيدتهم التي دانوا بها، ودانوا لها، أغلى شيء في حياتهم، بل وأغلى من حياتهم ذاتها.

كان البرهان واقعاً قاسياً، اجتازوه بنجاح كبير، من صبر على الجوع والعري، وترفع على السخرية والاستهزاء، وتحمل لآلام الضرب والشتم، وإعراض عن بذيء القول وسفساف الكلام.

وكان البرهان انضباطاً مع الأوامر والتوجيهات، وطاعة لله وللرسول، وتخلياً عن ردود الفعل، وتخلصاً من وشائج الجاهلية.

وكان البرهان هجرة تعني ترك الأهل والوطن والمصالح، وتنازلاً عن المعاني الأخرى التي ترتبط بالأهل والوطن. .

وكان البرهان صبر عشر سنوات على آلام متنوعة، تدرب فيها الفرد المسلم على مجالات الصبر. وأتقن العيش فيها. . 

وكان البرهان ثقة مطمئنة، وأملاً كبيراً في موعود الله، بأن الفرج قريب وأن النصر آت. وأن الصبح قريب.

وهكذا تحولت المعاني الفاضلة إلى شخوص تمشي على الأرض، في هؤلاء المؤمنين الصابرين. .

عندها اطمأن صلى الله عليه وسلم على صلابة القاعدة. .بعد أن مرت على التجارب والمختبرات. . واطمأن إلى جاهزيتها على قاعدة الانطلاق. . منتظرة الأمر أو الإذن. .

عندها أذن الله للبناء أن يرتفع، وفقاً لسنته سبحانه وتعالى التي أودعها في مخلوقاته. .

المراجع

  1. في كتاب مفردات الراغب الأصفهاني: الرب في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التام. [عن كتاب مدخل إلى التربية للأستاذ عبدالرحمن الباني ص 11]
  2. في ظلال القرآن 6/ 3337.



المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day