البحث
التربية للمواجهة الخارجية
التربية للمواجهة الخارجية
قلنا إن الإسلام كان يسير بتربية الجماعة الأولى في أكثر من مسار في آن واحد.
وها هو في الوقت الذي يحارب في الرواسب الجاهلية في النفس، ويحارب الشح والحرص، ويبني الخير. . كان يبني هذه النفوس في مسار آخر لتستطيع الوقوف صامدة في معركتها مع الشر والباطل والطغيان في واقع الحياة.
معركة في داخل النفس لإصلاحها، ومعركة أخرى بالنفس لإصلاح الواقع بها من حولها.
وهذه المعركة مفروضة على المؤمنين، وهي في حقيقتها معركة عقيدة. . وكان على المؤمنين في مكة أن يثبتوا ويصببوا. .
فلم يكد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن بدعوته، حتى وثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش، ويفتنونهم عد دينهم. وكانوا أشد قسوة في معاملتهم على المستضعفين من المسلمين، فكانوا يعذبونهم برمضاء مكة إذا اشتد الحر. (1).
وهكذا بدأت الحملة عامة على الجميع، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حماه الله بعمه أبي طالب. ونشأت حالة من الخوف نتيجة لهذه المعاملة القاسية، الأمر الذي أوقف حركة الدعوة أو بطأها إلى حين.
ونتيجة لشدة هذه الهجمة الجاهلية الشرسة كان المسلمون أحد رجلين، منهم من ثبت وعصمه الله تعالى، ومنهم من فتن من شدة البلاء الذي يصيبه (1)، وهم القلة القليلة.
قال ابن إسحاق: وحدثني حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير، قال: قلت لعبدالله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: (نعم والله، إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالساً من شدة الضر الذي نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا له: اللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، حتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون له: أهذا الجعل إلهك من دون الله فيقول: نعم، افتداء منهم مما يبلغون من جهده) (2).
ومن المعلوم أن سمية أم عمار، وزوجها ياسر، قد ماتا تحت التعذيب. وقد تحمل عمار ما شاء الله أن يتحمل حتى وصل إلى مرحلة الإعياء. . ولم يتركوه حتى نال من الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جاءه يبكي، ويسأله صلى الله عليه وسلم: "فكيف تجد قلبك؟" قال: أجده مطمئناً بالإيمان، فقال: "يا عمار إن عادوا فعد"، وأنزل الله تعالى:
{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُۥ مُطْمَئِنٌّۢ بِٱلْإِيمَٰنِ} (3).
وعذب بلال.
وعذب خباب..
وعذب صهيب..
وعذب غيرهم وغيرهم. . وكانت موجة من البلاء قاسية نالت الضعفاء في الساحات العامة، ونالت غيرهم كل إنسان ضمن قبيلته.
المراجع
- سيرة ابن هشام 1/ 268 و 317.
- سيرة ابن هشام 1/317.
- سيرة ابن هشام 1/ 320.
- سورة النحل: الآية 106 والحادثة ذكرها ابن كثير في تفسيره عند ذكر هذه الآية.