البحث
الوضع الاقتصادي
ليس المقصود من هذا الفصل، وكذا الفصول الأخرى التي تتناول الوضع الاقتصادي صياغة نظرية اقتصادية، وإنما الهدف وصف الحالة القائمة يومئذ، بغية استكمال بيان الواقع الذي قامت فيه الدعوة والظروف التي أحاطت بذلك، حتى يستطيع القارئ الوقوف على صورة أقرب ما تكون لبيان حركة سير الدعوة، وكيف استطاعت بفضل الله تعالى تجاوز كل العوائق التي اعترضت طريقها.
مكة والمدينة:
أراد الله لمكة أن تقوم بواد غير ذي زرع، ولذا اتجه أهلها إلى التجارة، وقد ساعدهم على ذلك، ذلك الأمن الذي قيضه الله تعالى لهذا البلد في كل الأوقات، كما ساعد على ذلك أيضاً وجود موسم الحج، الذي يعد بدوره سوقاً تجارية كبيرة، فقد تعارف العرب على إقامة أسواقهم هناك قبل الموسم وأثناءه وبعده.
وكان طبيعياً في مثل هذا الجو أن تكون التجارة هي مادة الدخل لسكان هذا البلد، حتى كانت لهم رحلتان موسميتان إلى اليمن والشام، هذا في إطار التجارة الخارجية، كما كانت لهم المشاركة الفعالة في الأسواق الموسمية التي أشرنا إليها قبل قليل (1).
ولهذا كان أهل مكة تجاراً، فمن كان ذا مال اتجر بماله، ومن لم يكن ذا مال أمكنه أن يتاجر بمال غيره مضاربة، وذلك كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سافر بمال خديجة رضي الله عنها. .
وفي أجواء التجارة تظهر قيمة رأس المال. . وأثره في إنتاج الربح، ومن هنا نشأ التعامل بالربا بين أهل مكة. . حتى جاء الإسلام فأبطله.
أما المدينة فهي بلد زراعي، يغلب على أهله العمل بها، وقد غلب اليهود فيها على التجارة والصناعة.
وللمدينة مركز تجاري مرموق وخاصة بإمداد المناطق المجاورة بالطعام من تمر وحبوب. .
نخلص من هذا إلى تقرير حقيقة مهمة، وهي أن غالب المهاجرين وهم من أهل مكة كان عملهم التجارة، وأن غالب الأنصار كان عملهم الزراعة. وهذه الحقيقة يؤكدها لنا أبو هريرة حيث قال: (يقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث، والله الموعد، ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم. .) (1).
المراجع
- للعرب أسواق مشهورة: عكاظ، ومجنة، وذو المجاز، وكان عكاظ من أعظم أسواق الجاهلية، وراء قرن المنازل بمرحلة، من عمل الطائف على طريق اليمن، وكان يقام فيها السوق في ذي القعدة نحواً من نصف شهر، ثم يأتون موضعاً دونه إلى مكة يقال له: سوق محنة، فتقام فيه السوق إلى آخر الشهر، ثم يأتون موضعاً قريباً منه يقال له: ذو المجاز، فيقام فيه السوق إلى يوم التروية، ثم يصدرون إلى منى. . [السيرة النبوية للدكتور محمد أبو شهبة 1/ 100 دار القلم].
- الحديث متفق عليه، وهو عند البخاري برقم 2350 وعند مسلم برقم 2492.