البحث
درس الخندق
درس الخندق:
عالجت آيات من سورة الأحزاب ما حدث في غزوة الخندق، وقد بينت الآيات الظروف القاسية التي أحاطت بالمؤمنين الصادقين، ثم تحدثت عن المنافقين وموقفهم السيئ الذي تمثل بتثبيط همم بعضهم عن المشاركة في القتال، كما تمثل في التشكيك بقدرة المؤمنين، وكذلك بانتحال الأعذار لعدم المشاركة في القتال.
وتضمنت الآيات حض المؤمنين على التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في ثيابه ووقوفه في وجه أعداء الله، ثم أثنت على المؤمنين بصدق إيمانهم، وهذه شهادة من الله عظيمة.
قال تعالى:
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَٰنًا وَتَسْلِيمًا مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَٰهَدُوا ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
الآيات: 21- 23 سورة الأحزاب
ثم أشارت الآيات بعد ذلك إلى ما لقيه بنو قريظة عقوبة على خيانتهم.
وهكذا يكون الدرس الأول في هذه الغزوة هو التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في مواقفه الجهادية بل وفي كل شأن من شؤونه صلى الله عليه وسلم.
تلك كانت جولة مع الآيات القرآنية التي نزلت بصدد الغزوات الكبرى في هذه المرحلة، والآيات الأخرى المتعلقة بالجهاد كثيرة، ومن آثار هذه الآيات الكريمة في نفوس المؤمنين كانت تلك الانطلاقة العظيمة التي تطاول فيها الصغار على رؤوس أصابعهم كي يقبلوا في الجيش. . وكان من آثارها اشتراك الفتية من أمثال عبدالله بن عمر في غزوة الخندق في أول بلوغهم. .
والملاحظ في كل هذه الغزوات أن عدد وعدة الكافرين دائماً كانت أكبر، وأن أوضاع المسلمين الاقتصادية لم تكن على ما يرام، بل إنها في غزوة الخندق، وهي أضخم هذه الغزوات من حيث عدد الكافرين، كانت في غاية من السوء، من حيث قلة الطعام وقلة اللباس وقلة السلاح.
وإذن ما هو الشيء الذي تفوق به المسلمون حتى استطاعوا كسب النصر؟
يقول سيد قطب رحمه الله في الجواب على ذلك: كان التفوق الحقيقي للمجتمع المسلم على المجتمعات الجاهلية من حوله. . هو تفوقه في البناء الروحي والخلقي والاجتماعي والتنظيمي. . قبل أن يكون تفوقاً عسكرياً أو اقتصادياً أو مادياً على العموم. . بل هو لم يكن قط تفوقاً عسكرياً واقتصادياً (1).
لهذا نجد أن الحركة الجهادية لم تكن متوقفة على حساب العامل الاقتصادي، بل تقرر خطة الحركة أولاً، ثم يسعى - قدر الإمكان - في تلبية حاجاتها. وقد ساعد على ذلك تلك التربية التي قامت على الصبر كما رأينا فيما سبق.