1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. لماذا "الحبشة" ؟

لماذا "الحبشة" ؟

الكاتب : صالح أحمد الشامي

هل كانت "الحبشة" بدء محاولة لهجرته صلى الله عليه وسلم:

يميل الأستاذ دروزة إلى ذلك دون تصريح به فيقول: "بل إنه ليخطر بالبال أن يكون من أسباب اختيار الحبشة النصرانية امل وجود مجال للدعوة فيها، وأن يكون هدف انتداب جعفر متصلاً بهذا الأمل، ولعل فيما روي - أكثر من مرة - عن إسلام النجاشي وغيره من الأجباش ووفادة بعضهم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين مستطلعين ما يستأنس به على هذا الخاطر. ." (1).

وذهب إلى التصريح بذلك صاحب الظلال فقال: "ولقد سبق الاتجاه إلى يثرب - لتكون قاعدة للدعوة الجديدة - عدة اتجاهات. . سبقها الاتجاه إلى الحبشة، حيث هاجر إليها كثير من المؤمنين الأوائل". وبعد أن تحدث عن رأيه في سبب عدم هجرة الموالي قال: "ولكن مثل هذه الأسباب لا ينفي احتمال أن تكون الهجرة إلى الحبشة أحد الاتجاهات المتكررة في البحث عن قاعدة حرة. . وبخاصة حين نضيف إلى هذا الاستنتاج ما ورد عن إسلام نجاشي الحبشة. ذلك الإسلام الذي لم يمنعه من إشهاره نهائياً إلا ثورة البطارقة عليه. كما ورد في روايات صحيحة" (2).

ونعتقد أن هذا الرأي لا تؤيده وقائع السيرة وأحداثها:

فقد كان المهاجرون إلى الحبشة قد استقروا فيها مع مطلع العام السابع من البعثة، ومع ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم استمر يعرض نفسه في المواسم، ولو كان في نيته أن يذهب إلى الحبشة لما فعل ذلك. إذ كانت غاية العرض أن يجد من يحمله معه ويضمن له الحرية حتى يبلغ عن ربه عز وجل. 

ثم إنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الطائف يفتش عن قاعدة لدعوته، وذلك في العام العاشر من البعثة، وكان أصحابه يومئذ في الحبشة وهم يزيدون على المائة، ومع ذلك لم يتصل بهم أو يطلب إليهم محاولة التمهيد لمجيئه إليهم. ولو كان في نيته الذهاب إلى الحبشة لم يذهب إلى الطائف.

وأمر ثالث: وهو أن القرآن أنزل باللغة العربية، ولا يستطيع غير العربي أن يتفاعل معه في بدء الدعوة خاصة بالشكل المطلوب، وكان لا بد أن تكون القاعدة من أصحاب اللغة نفسها، وهذا يفسر لنا بوضوح إصراره صلى الله عليه وسلم على عرض نفسه على القبائل العربية دون التفكير بأي حل آخر.

وقد تعب صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الطائف، وأصابه فيها من البلاء ما أصابه، ووصل إلى درجة من الضيق دفعته أن يدعو دعاءه المشهور (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي. . )، ونزل جبريل عليه السلام وبصحبته ملك الجبال - كما في الصحيحين - يستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في أهل مكة. .  كل هذا يدل على مدى الضيف الذي ألم به صلى الله عليه وسلم.  .  ولم يكن رجوعه إلى مكة أمراً سهلا. . . ومع ذلك لم يتوجه إلى الحبشة. . الأمر الذي يؤكد أن هذه القضية لم تدر بخلده صلى الله عليه وسلم.

لماذا "الحبشة" إذن؟:

وقد يقال: إذا كان الأمر كذلك فلماذا وجه صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الحبشة لا إلى غيرها؟

ويبدو لي - والله أعلم - أن هناك أكثر من باعث لهذا التوجيه:

فالرسول صلى الله عليه وسلم يوضح جانباً من الباعث على ذلك التوجيه بقوله: "فأن بها ملكاً لا يظلم أحد". وإذن فشخصية الملك النجاشي الذي يتحقق عنده العدل، باعث مهم.

ثم إن قرب المسافة بين مكة والحبشة يمكن أن تكون واحداً من العوامل.

والأمر الأكثر شأناً، أن ملك الحبشة لا سلطان للقبائل العربية عليه، ولذلك لما أرسلت قريش وفدها إليه تطلب أن يرد إليها المهاجرين لم يفعل. . ولم تستطع قريش أن تفعل شيئاً.

ولو كان هؤلاء المسلمون قد اتجهوا إلى قبيلة عربية . . فإن تلك القبيلة لن تستطيع رد طلب قريش، أو تقوم الحرب بين الطرفين. . هذا إذا قبلت قبيلة عربية أن تفعل هذا. وما نظن أن ذلك يحدث لأن كل تلك القبائل رفضت أن تؤوي رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفاً من اختلافها مع قريش.

وهذا مما يلقي الضوء على عظيم حكمته صلى الله عليه وسلم.

المراجع

  1. سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لدروزة 1/ 265. 
  2.  في ظلال القرآن 1/ 29.


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day