1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. ​الهجرة إلى المدينة

​الهجرة إلى المدينة

الكاتب : صالح أحمد الشامي

الهجرة إلى المدينة

العام العاشر من البعثة:

مضت عشر سنوات من عمر الدعوة في جهاد شاق مرير، كانت حصيلته مائة مؤمن ومؤمنة استقروا في الحبشة، وعدداً يسيراً في مكة، وأفراداً يعدون على الأصابع في قبائلهم كأبي ذر وعمرو بن عبسة السلمي.

وقد وصل الأمر إلى جمود الدعوة إن لم نقل توقفها، وذلك بفعل إعلام قريش. . وانتظار الناس ما تؤول إليه الحال بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين قومه.

ولم يمض على خروجه صلى الله عليه وسلم من الشعب إلا مدة يسيرة، حتى توفي عمه أبو طالب، وبعده بأيام توفيت خديجة زوجه. . فتتابعت الهموم حتى سمي ذلك العام عام الحزن.

ولم يكن أبو طالب إنساناً كبقية الناس بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم، فقد بدأ حياته في رعايته منذ الثامنة، وكان له طيلة مدة حياته بعد ذلك معيناً وعضداً وحرزاً يدفع عنه أذى قريش. . وكانت خديجة السند الآخر الذي يخفف عنه الآلام والأحزان. . 

وكانت جرأة المشركين عليه صلى الله عليه وسلم بعد وفاتهما كبيرة، حتى نثروا التراب فوق رأسه الشريف. . ووضع أحدهم سلى (1) جزور بين كتفيه وهو ساجد. . حتى جاءت ابنته فرفعته عنه. . 

وهم يضحكون ويميل بعضهم على بعض من شدة الضحك. . وهذا ما يوضح لنا قوله صلى الله عليه  وسلم: "ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب".

كانت القناعة عنده صلى الله عليه وسلم من قبل هذا كله أن مكة لن تكون مركزاً لانطلاق الدعوة، وهذا ما دعاه أن يعرض نفسه على القبائل. .

ولقد وصلت هذه القناعة - فيما يبدو - إلى درجة اليقين بعد الذي رأى منهم بعد موت أبي طالب، ولذا كان لا بد من التفكير في أسلوب جديد. . 

وكانت رحلته إلى الطائف. .

هذه الرحلة التي بلغت فيها المشقة ذروة خطها البياني، كان الأمل كبيراً أن يجد العقل الواعي الذي يفهم عنه، وكان الأمل كبيراً أن يجد المكان الذي تجد فيه الدعوة قاعدة انطلاقها. . ولكن هذه الآمال تبخرت كلها عندما كان اللقاء مع زعماء الطائف.

تلك خلاصة موجزة جداً لتلك المدة من حياة الدعوة، أردنا أن تكون في الذهن ونحن نتحدث عن الهجرة.

البحث عن قاعدة للدعوة:

كان الذهاب إلى الطائف هو الخطوة الثانية في البحث عن قاعدة للدعوة. وكانت الخطوة الأولى هي العرض على القبائل قبل ذلك. .

وحضر موسم الحج، وفي دأب لا يعرف الملل، وصبر جميل، وعزم حديد، تابع الرسول الكريم أسلوبه السابق فقام مرة أخرى يعرض نفسه على من حضر الموسم.

وكان من جملة من التقى به ستة نفر من الخزرج، ونترك الحديث لابن إسحاق ينقل لنا صورة هذا اللقاء الذي كان له ما بعده.

قال ابن إسحاق: ". .لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال: أمن موالي يهود؟ قالوا: نعم، قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى، فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عز وجل. وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.

قال: وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا قد غزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم: إن نبياً مبعوث الآن، قد أظل زمانه، نتبعه فتقتلكم معه قتل عاد وأرم.

فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر، ودعاهم إلى الله، قال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلموا - والله - إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام. وقالوا: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك" (1).

كانت بارقة أمل، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجلس في انتظار هذا الأمل، وبل تابع دعوته في ذاك الموسم وبعده. . ومر عام آخر بطيء الخطى، لم تسجل فيه السيرة حوادث إسلام جديدة.

ولكن أولئك النفر من الخزرج رجعوا إلى المدينة، وبدؤوا دعوتهم حتى فشا الإسلام ولم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الموسم الثاني كان اللقاء مع اثنتي عشر رجلاً من الأوس والخزرج، وكانت بيعة العقبة   الأولى. . وبعث معهم النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ليقرئهم القرآن بناء على طلبهم.

وهكذا بدأ إعداد القاعدة وتهيئة المناخ لانتقال الدعوة. .

وخلال عام آخر كانت يثرب تستعد لما أنيط بها من مهام، فقد انتشر الإسلام فيها ودخل البيوت وأسلم كبار القوم. . . فلم يأت الموسم حتى كان الخارجون إليه من المسلمين يزيد على السبعين. . وهم الذين التقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبايعوه بيعة العقبة الثانية. .

المراجع

  1. السلى: الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه. (النهاية).
  2. سيرة ابن هشام 1/ 428.



المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day