1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. مكانة المرأة في المجتمع (الجزء الاول)

مكانة المرأة في المجتمع (الجزء الاول)

الكاتب : صالح أحمد الشامي

الفصل الخامس   مكانة المرأة في المجتمع

إن المرأة تشكل نصف المجتمع بشكل عام وقد تزيد قليلاً في بعض المجتمعات، وقد تنقص قليلاً في بعضها الآخر.

وهي تشارك الرجل في كل الأحكام التي سبق الحديث عنها في الفصول التي تقدمت، ولكن ما من شك في أن لها من الأحكام ما تنفرد به.

ومن حيث الجانب التاريخي، فإن المرأة ظلت مهضومة الحقوق، بل لا حقوق لها أصلاً في بعض المجتمعات، وفي بعض المجتمعات الأوربية ظلت مسألة إنسانية المرأة محل خلاف، هل هي إنسان أم حيوان أم نوع ثالث بين الإنسان والحيوان. . وكان هذا بعد مجيء الإسلام بعشرة قرون.

وكان شأن المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام لا يختلف كثيراً عن وضعها في المجتمعات الأخرى، ولئن كانت أحسن في بعض الجوانب فهي ربما كانت أسوأ في جوانب أخرى.

وجاء الإسلام ليقرر أن المرأة هي كالرجل في كل الأحكام باستثناء ما يتعلق بخصوصياتها.

فهي مطالبة بكل العبادات التي كلف بها الرجل، ولها ذمتها المالية الخاصة به، وهي ترث من مات من أقاربها، وتورث عند وفاتها، وهي مسؤولة عن تصرفاتها شأنها شأن الرجل في ذلك.

وهي مخاطبة تماماً كالرجل بكل ما جاء في الخطاب القرآني، سواء أكان بقوله تعالى:

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ}

أم بقوله تعالى:

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا}

وبهذا وأمثاله مما جاء به الإسلام، استعادت المرأة مكانتها وما قرر لها الله تعالى من حقوق.

وكان ذلك مدون في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومع ذلك فإن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة الجامعة الخاتمة يخصص قسطاً للحديث عن المرأة لا يقل عن حديثه في الأمور الأخرى، تأكيداً منه على ما سبق تقريره، وإشعاراً بمكانة رعاية هذا الجانب من شؤون الأمة.

ويحسن بنا أن نذكر هذا النص مرة ثانية لدراسته ومحاولة فهم ما ورد فيه.

قال صلى الله عليه وسلم:

(أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا.أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقفَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ.أَلَا وَإِنَّ حَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ).

وأول ما يلفت النظر في هذا النص الشريف: أن الكلام فيه خاص بالحديث عن العلاقة بين الزوج وزوجته.

أما الأم والبنت والأخت وكل النساء الأخريات فإن النص لا يتناولهن، وذلك لأن هؤلاء النساء لا تقوم العلاقة بينهن وبين الرجل على مرتكز مادي، وإنما هي علاقة القرابة  والرحم، وهي أعلا شأناً من الارتباط المادي.

وقد جاء الحديث مفصلاً عنهن في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وفيه ما يضمن حقوقهن المادية وما هو أجل من ذلك من الإحسان إليهن وصلتهن.

ولهذا لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم على ذكرهن، وجاء الحديث متقصراً على الزوجة باعتبار العلاقة بينهما وبينه على عقد تم بموافقة كل من الطرفين، والجانب المادي (المهر) مكون من مكونات العقد إضافة إلى ما قد تشترطه المرأة من شروط.

وقد عظم القرآن شأن هذا العقد، واعتبر الزوجة هي الجانب الضعيف، ولذلك جاء التعبير القرآني مشعراً بذلك، وهو

قوله تعالى:

{وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا}

[النساء: 21]،

فالمرأة هي التي أخذت العقد لتطالب بحقوقها إن لزم الأمر. والتعبير بــ {غَلِيظًا} يؤكد قوة هذا العقد ومتانته واختلافه عن بقية العقود.

بل إن الشروط التي ترافقه تعد من أوثق الشروط التي ينبغي الالتزام بها وتنفيذها. وقد جاء هذا في الحديث المتفق عليه وهو

قوله صلى الله عليه وسلم:

(مَ أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) (1)

والغالب أن الشروط في هذا العقد تكون من قبل الزوجة، وذلك لأن الرجل لا يحتاج إلى ضمانات ففي يده الطلاق يستطيع به أن ينهي هذه العلاقة إذا لم يوافقه الطرف الآخر.

وإذن فالتأكيد على الوفاء بشروط هذا العقد إنما هو ضمان لما ترعب به المرأة.

وإذا كان هذا شأن العقد والشروط المرتبطة به، فيحسن بنا أن نرجع قليلاً إلى ما قبل العقد من إتاحة الحرية الكاملة للمرأة في اختيار الزوج الذي تراه، سواء أكانت بكراً أم ثيباً.

ففي الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة قال: النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: (أَنْ تَسْكُتَ) (2).

وعن ابن عباس: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا) (3).

والأيم: هي المرأة الثيب، التي سبق لها أن تزوجت.

وأما صمات البكر: فكان الباعث عليه الحياء من التصريح بإجابتها، فإذا تغيرت الأعراف ولم يعد الحياء مانعاً من ذلك فالمطلوب عندئذ التصريح برغبتها شأنها شأن الثيب.

ولم يبق هذا الأمر في نطاق الأوامر والتوجيهات، بل وجد من الوقائع ما يثبته ويحققه.

فقد جاء عن خنساء بنت خدام الأنصارية: أن أباها زوجها - وهي ثيب - فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه (4).

وعن ابن عباس: أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم (5).

وعن بريدة قَالَ:

جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ قَالَ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ (6)

المراجع

  1. (1) رواه البخاري (2721) ومسلم (1418).
  2. رواه البخاري (5136) ومسلم (1419).
  3.  رواه مسلم (1421).
  4. رواه البخاري (5138).
  5. رواه أبو داود (2069) وابن ماجه (1875) وهو حديث صحيح.
  6. رواه ابن ماجه (1874) وهو عند النسائي عن عائشة (3269) وصححه في "الزوائد"، وضعفه الألباني



المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day