1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. حركة الدعوة والاقتصاد

حركة الدعوة والاقتصاد

الكاتب : صالح أحمد الشامي

حركة الدعوة والاقتصاد:


إن المتأمل لحركة الدعوة خلال العهد المدني بكامله، يظهر له بوضوح أن الوضع الاقتصادي لم تكن له السيطرة على هذه الحركة، سواء في ذلك الوقائع التي كانت تفرض على المسلمين، أو الوقائع التي تكون المبادأة فيها من قبل المسلمين.

وهذا جانب مهم تتميز به حركة الدعوة الإسلامية، الأمر الذي ينبغي الوقوف عنده والإفادة منه.

إن هذه الاتجاه لا يعني الاستهانة بالجانب الاقتصادي، ولكنه بالتالي لا يعطيه حق الهيمنة على الحركة. . لأنه والحالة هذه ربما أدى إلى وقوف الحركة وقوفاً كاملاً حيث يكون الوضع الاقتصادي غير ملائم.

وقد يتساءل بعضهم فيقول: كيف استطاعت الدعوة بحركتها أن تتجاوز هذا العائق فلا يكون له دور كبير في عرقلة سيرها؟

وفي الجواب على ذلك، لا بد من أن نذكر بأمرين:

1- إن منهج التربية الذي تبناه المنهج الإسلامي يربي أبناءه على الصبر في كل الأجواء وتجاه كل المواقف، وقد رأينا ذلك تفصيلاً في القسم الأول من هذه الدراسة.

هذا الأسلوب من التربية يتكفل بإيجاد الجيل القوي القادر على تخطي الصعاب، وتجاوز العقباب، وتحمل البلاء. .

2- إن الرصيد الاقتصادي لحركة الدعوة، ليس المال الموجود في بيت المال فحسب، وإنما هو ما يمتلكه المسلمون، ومن هنا كان التأكيد الكبير من الآيات القرآنية على الجهاد بالمال والنفس على حد سواء، بل إن بعض الآيات لتقدم المال على ذكر الأنفس.

قال تعالى:

{ٱنفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَٰهِدُوا بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (1).

وقال تعالى:

{لَّا يَسْتَوِى ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِى ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ } (2).

قال تعالى:

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَٰرَةٍۢ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍۢ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (3).

وإذن فالدعوة تمتلك رصيداً ضخماً، هو إمكانية الصبر لدى القائمين بها، وتربية في البذل والعطاء للأنفس والأموال. . هذا الرصيد هو الذي حرر حركتها ويجعلها حرة طليقة لا تثقلها القيود الاقتصادية.

وفي ضوء هذا المسلك لحركة الدعوة نستطيع تفسير كثير من المواقف التي لا يمكن تفسيرها بغير المعطيات السابقة ومن ذلك على سبيل المثال:

* سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر. . والتي فني فيها زاد المسلمين حتى أصبح نصيب الواحد منهم تمرة واحدة في اليوم. .

* وفي غزوة ذات الرقاع لم تكن وسائل النقل متوفرة. حتى كان الستة من المسلمين يعتقبون بعيراً واحداً، ونتيجة لذلك ذهبت نعالهم، وضطروا أن يعصبوا أرجلهم بالخرق. . ولذا سميت الغزوة بذات الرقاع.

* وفي غزوة تبوك، التي سمي جيشها "جيش العسرة" أمثلة كثيرة على ذلك. . والأمثلة بعد ذلك كثيرة كثيرة. .

المراجع

  1. سورة التوبة: الآية 41.
  2. سورة النساء: الآية 95.
  3. سورة الصف: الآيتان 10 - 11.


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day