1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. حركة الدعوة 2

حركة الدعوة 2

الكاتب : صالح أحمد الشامي

كانت تلك الحادثة بداية انحداره الاجتماعي، فقد انكشف أمره بالنسبة للمؤمنين الصادقين من قومه. فكان بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويعنفونه.

وفي أواخر الطريق - طريق العودة من غزوة بني المصطلق - كانت قصة تخلف عائشة رضي الله عنها، وحديث الإفك الذي صاغه عبدالله بن أبي وروج له جماعته من المنافقين. .

ثم جاء القرآن الكريم بعد شهر ليثبت براءة عائشة رضي الله عنها. .

وهكذا كان المنافقون يشغلون المسلمين بإيذائهم وسخريتهم وكذبهم وقد تحمل المسلمون الشيء الكثير، وذلك بفضل تربية الصبر التي كان بوجههم إليها صلى الله عليه وسلم.

هذه الأحداث لا شك أنه كانت تأخذ شيئاً غير يسير من جهد المؤمنين وتفكيرهم الذي كان ينبغي أن يكون مصروفاً كله لأمر الدعوة.

ولكن هذه الأمور كانت ضرورية من حي تربية الجماعة الأولى، لتعيش الدعوة في واقع عملي فيه كل المنغصات الداخلية والخارجية. . ليتعرف المؤمنون كيف يتعاملون .مع تلك الظروف الصعبة

:حركة الدعوة خارج المدينة

إن الأحداث المتتابعة - كما بيناها في اختصار شديد في الفصل الأول - حالت دون حمل الدعوة خارج المدينة وكان لحادثتي الغدر - يوم الرجيع، وبئر معونة - أثرهما أيضاً.

ونستطيع القول بأنه لم ينضم إلى الإسلام قبل غزوة الخندق إلا العدد اليسير، نستدل على ذلك من عدد جيش المسلمين في الظروف الصعبة التي مرت به.

فقد كانت عدد هذا الجيش يوم أحد. سبعمائة مقاتل. .

وكان عدده يوم الخندق ألف مقاتل (1) وبعض هذه الزيادة بين أحد والخندق أتت من رجوع بعض الذين رجعوا مع عبدالله يوم أحد إلى صوابهم، ومن كبر بعض الصغار الذين ردوا يوم أحد وقبلوا يوم الخندق كعبدالله بن عمر بن الخطاب.

وكان عدد المسلمين يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة، وهي بعد الخندق، وقد استنفر لها الرسول صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها.

وإذن فقد كانت حركة الدعوة بطيئة، ولكن هذا لم يمنع من امتدادها إلى بعض الأماكن وخاصة بعد الخندق، حيث أمن الناس أن قريشاً لن تعيد الكرة بعد فشلها الذريع مع من صاحبها. .

 

:ونستطيع أن نسجل من حوادث امتداد الدعوة ما يلي

* قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ الْقَوْمُ؟" قَالُوا رَبِيعَةُ قَالَ: "مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى"، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلْ بِهِ   الْجَنَّةَ.. (2).

فنص الحديث يدل على أن مجيئهم كان قبل صلح الحديبية، فهم قد أتوا في الشهر الحرام، وكانت مساكنهم بالبحرين وما والاها من أطراف العراق (3) وقد كانوا مسلمين هم وقومهم.

* وذكرنا في الفصل السابق وصول عدد من الأسلميين إلى المدينة، خلال هذه الفترة، وأن مائة منهم شاركوا في غزوة الحديبية.

* وقدم في العام الخامس في شهر رجب وفد كبير من مزينة، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، ورجعوا إلى بلادهم (4).

* وقد وفد من بني عبس، وذلك في وقت مبكر بعد الهجرة، فكانوا من المهاجرين الأولين، وعقد لهم صلى الله عليه وسلم لواء بغية اعتراض عير لقريش. . (5).

* وقدمت أشجع على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الخندق. . فوادعهم. ثم أسلموا (6).

* وفي غزوة بني المصطلق. . حينما تزوج صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث، وكان ذلك سبباً لإطلاق قومها، حيث قال المسلمون: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم. . ثم كان ذلك سبباً لإسلام بعض قومها. . (7).

* وأخيراً نستطيع أن نستلهم آيات سورة الفتح في حديثها عن المخلفين من الأعراب أن بعض القبائل أسلمت بعد الخندق وقبل صلح الحديبية. وتمركزت حول المدينة، ومنها غفار وجهينة والديل وأشجع، كما سوف نرى ذلك في الباب القادم إن شاء الله تعالى.

نلاحظ مما سبق أن الدعوة أخذت طريقها إلى قلوب الناس، ولكن حركتها كانت بطيئة نسبياً، بسبب إنشغال الرسول صلى الله عليه وسلم بالأحداث التي مر ذكرها، كما أن هناك عاملاً  أخر كما ذكرنا من قبل هو انتظار الناس لما تؤول إليه الأمور بين مكة والمدينة.

ولا شك بأن الدعوة في مكة خلال هذه الفترة كانت متوقفة تماماً.

_______________________

المراجع

  1. ذهبت بعض الروايات - سيرة ابن هشام 2/ 220 وابن سعد 2/ 66 والبداية 4/ 102 - إلى أن عدد المسلمين في غزوة الخندق كان ثلاثة آلاف. وفي البخاري أنهم كانوا ألفاً (الحديث رقم 4102) وهو الصواب لأمور: - إن الوقت الفاصل بين أحد والخندق لم يكن طويلاً يساعد على إسلام هذا العدد. - ولو كان عددهم ثلاثة آلاف ما كانوا بحاجة إلى حفر الخندق فقد كانت نسبتهم إلى المشركين في بدر الثلث، وفي أحد الربع. - ثم إنه صلى الله عليه وسلم استنفر الناس يوم خروجه إلى العمرة فلم يخرج إلا ألف وأربعمائة فأين البقية التي هي ألف وستمائة؟ - ثم إن المهمات التي وزعت ليلة الأحزاب نبين أن العدد كان ألفاً: فقد كان مع أسيد بن حضير مائتان في مهمة حراسة الخندق، وكان مع سلمة بن أسلم مائتا رجل، ومع زيد بن حارثة ثلاثمائة رجل ومهمتهما حراسة المدينة، وبقي مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة (شرح الزرقاني 2/ 118). كل هذا يؤيد رواية البخاري.
  2. رواه البخاري برقم 53.
  3. فتح الباري 1/ 132
  4. طبقات ابن سعد 1/ 291
  5. طبقات ابن سعد 1/ 295.
  6. طبقات ابن سعد 1/ 306.
  7. سيرة ابن هشام 2/ 295 - 296.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day