1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. انفراج الأزمة

انفراج الأزمة

الكاتب : صالح أحمد الشامي

انفراج الأزمة:

 كان إجلاء بني النضير من اليهود إثر نقضهم العهد، في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة، وقد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلام، ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل يهدم بيته ليأخذ بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به (1).

أما بقية أموالهم فكانت مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وكانت خالصة له كما ورد ذلك نصاً من سورة الحشر التي نزلت في بني النضير، ومن ذلك

قوله تعالى:

{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍۢ وَلَا رِكَابٍۢ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةًۢ بَيْنَ ٱلْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ ۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُوا ۚ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} (1)

سورة الحشر: الأيتان 6-7

 فكانت هذه الغنيمة خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا تصرف فيه ح أي الفيء - كما يشاء، فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله عز وجل في هذه الآيات. . كما قال ابن كثير (2)

وتوضح لنا الأحاديث كيف تصرف صلى الله عليه وسلم بهذا الفيء: "فقد كان يحبس قوت أهله منه سنة، ثم يجعل ما بقي منه مجعل مال الله (3) عز وجل" (4).

وفي رواية: "كان ينفق على أهله نفقة سنة من مال بني النضير ويجعل ما بقي في الكراع   والسلاح" (5).

وقال ابن سعد: "كانت بنو النضير صفياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة له، حبساً لنوائبه، ولم يخمسها، ولم يسهم منها لأحد، وقد أعطى ناساً من أصحابه، ووسع في الناس منها. . " (6).

وروى الحاكم في الإكليل عن أم العلاء قالت: (.. فلما غنم صلى الله عليه وسلم بني النضير، دعا ثابت بن قيس فقال: "ادع لي قومك"، قال ثابت: الخزرج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "الأنصار كلها" فدعا له الأوس والخزرج:

فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين وإنزالهم إياهم في منازلهم وأموالهم، وأثرتهم على أنفسهم ثم قال: "إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله علي من بني النضير، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم".

فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ: يا رسول الله، بل تقسم بين المهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا.

وقالت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول الله.

فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار".

وقسم ما أفاء الله، وأعطى المهاجرين ولم يعط أحداً من الأنصار شيئاً غير أبي دجانة، وسهل بن حنيف لحاجتهما (7).

قال البلاذري:

وكان صلى الله عليه وسلم يزرع تحت النخيل في أرضهم فيدخر من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة، وما فضل جعله في الكراع والسلاح (8).

يتبين مما سبق أن فيء بني النضير اشتمل على الأرض والنخيل، والدور والمال، والسلاح. .

فأما الدور والمال فقد وزعت على المهاجرين ورجلين فقيرين من الأنصار.

وأما السلاح فقد احتفظ به للحاجة. .

وأما النخيل والأرض فقد احتفظ بها صلى الله عليه وسلم لنفقة أهله، ثم يتصرف بالباقي حسب الحاجة. .

وأما القوت الذي كان يحبسه لعياله لسنة فهو الشعير والتمر، فكان صلى الله عليه وسلم يحبس ما يكفيهم من الموسم، والموسم لا يكون في السنة إلا مرة واحدة. ومع ذلك ففي كثير من الأحيان كان يأخذ منه ويعطي لمن يرد عليه من ذوي الحاجات ولذلك لما مات صلى الله عليه وسلم كانت درعه مرهونة على شعير اقترضه قوتاً لأهله (9).

وأما جمعه صلى الله عليه وسلم الأنصار وسؤالهم عن قسمة الأموال. . علماً بأنها فيء خاص له. . والأنصار يعلمون ذلك. . فذلك من الهدي النبوي الكريم في سياسة الأمور.

كانت الغاية من هذا التوزيع تخفيف العبء عن الأنصار، وهكذا انتقل المهاجرون إلى دور بني النضير، وأعيدت دور الأنصار إلى أصحابها، واستغنى بعض المهاجرين مما يمكن أن يقال فيه: إن الأزمة قد بدأت بالانفراج.

وكانت قصة غدر بني قريظة، وعقوبتهم في نهاية شهر ذي القعدة من السنة الخامسة للهجرة. وكانت هناك غنائم كبيرة وزعت بعد عزل الخمس على المجاهدين من المهاجرين والأنصار.

وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمس "محمية بن جزء الزبيدي، فكان صلى الله عليه وسلم يعتق منه ويهب منه، ويخدم منه من أراد. ." (10).

ولا شك بأن أحوال كثير من المهاجرين قد تحسنت من الناحية الاقتصادية بعد توزيع غنائم قريظة، الأمر الذي استدعى مراجعة الحساب في شأن منائح الأنصار.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

(كَان الرَّجُلَ كَانَ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلَاتِ مِنْ أَرْضِهِ حَتَّى فُتِحَتْ عَلَيْهِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ فَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَعْطَاهُ) (11).

وقد بينت - فيما مضى - أن منائح الأنصار كانت على نوعين، منائح من الثمار، ومنائح أخرى من النخيل كانت توضع تحت تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء.

أما وقد تحسنت أحوال المهاجرين فقد أمر الرسول الكريم برد هذه المنائح إلى أصحابها، والذي يبدو أن هذا الرد كان لمعظمها وبقي بعض ذلك حتى كان فتح خيبر، حيث كانت الإعادة شاملة.

المراجع

  1. سيرة ابن هشام 2/ 191.
  2. تفسير ابن كثير عند الآيتين السابقتين.
  3. أي في مصرف ما جعل عدة في سبيل الله من مصالح المسلمين.
  4. رواه البخاري برقم 5357 ومسلم برقم 50 من كتاب الجهاد واللفظ له.
  5. أخرجه إسحاق بن راهوية عن الزهري كما في فتح الباري 9/ 503.
  6. طبقات ابن سعد 2/ 58.
  7. شرح الزرقاني على المواهب 2/ 86.
  8. المصدر السابق 2/ 86.
  9. فتح الباري 9/ 503.
  10. طبقات ابن سعد 2/ 75 وشرح الزرقاني على المواهب 2/ 137.
  11. رواه البخاري برقم 3128 ومسلم برقم 71 من كتاب الجهاد.
المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day