البحث
رسالة في فداء أسرى المسلمين
رسالة في فداء أسرى المسلمين
وقع في يد الروم أسرى من المسلمين وأبطأ أبو جعفر في فدائهم، فكتب إليه الإمام الأوزاعي في ذلك.
فقال:
أما بعد: فإن الله تعالى إنما استرعاك أمر هذه الأمة، لتكون فيها بالقسط قائماً، وبنبيه صلى الله عليه وسلم في خفض الجناح لهم والرأفة بهم متشبهاً.
إن سياحة المشركين كانت عام أول في دار الإسلام، وموطئهم حريمهم، واستنزالهم نساء المسلمين وذراريهم من المعاقل والحصون، لا يلقون لهم - من المسلمين - ناصراً، ولا عنهم مدافعاً.
وكان ذلك بما قدمت أيدي الناس، وما يعفو الله عنه أكثر.
فإنهم بخطاياهم سُبين، وبذنوبهم استُخرجت العواتق من خدورهن، يكشف المشركون عوراتهن، ولائد تحت أيدي الكوافر، يمتهنونهن حواسر عن سوقهن وأقدامهن، ويردون ولدانهن إلى صبغة الكفر بعد الإيمان، مقيمات في خشوع الحزن، وضرر البكاء.
فهن بمرأى من الله عز وجل ومسمع، وبحيث ينظر الله - من الناس - إلى إعراضهم عنهن، ورفضهم إياهن في أيدي عدوهم.
فليستعن بالله أمير المؤمنين، وليتحنن على ضعفاء أمته، وليتخذ إلى الله فيهن سبيلاً، وليخرج من حجة الله عليه فيهن، بأن يكون أعظم همه وآثر أمور أمته عنده مفاداتهن. فإن الله عز وجل حضَّ رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على [استنقاذ] من أسلم من الضعفاء في دار الشرك
فقال: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا } [النساء: 75].
هذا ولم يكن على المسلمين لوم فيهن، فكيف بالتخلية بين المشركين وبين المؤمنات، يظهر منهن لهم ما كان يحرم علينا إلا بنكاح
وقد حدثني الزهري أنه كان في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب به بين المهاجرين والأنصار، أن لا يتركوا مفرحاً (1) أن يعينوه في فداء أو عقل، ولا نعلم أنه كان لهم يومئذ فيء موقوف، ولا أهل ذمة يؤدون إليهم خراجاً، إلا خاصة أموالهم.
وقد بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ) فبكاؤها عليه من صبعة الكفر، أعظم من بكائه بعض ساعة وهي في الصلاة.
وليعلم أمير المؤمنين أنه راع، وأن الله مستوف منه، وموفيه، حين يوقف به على موازين القسط يوم القيامة.
أسأل الله أن يلقن أمير المؤمنين حجته، ويحسن به الخلافة لرسوله في أمته، ويؤتيه من لدنه أجراً عظيماً. والسلام عليك.
فلما وصل كتابه أمر بالفداء (1).
المراجع
- "تهذيب حلية الأولياء" (2/ 284)، و"الجرح والتعديل" (1/ 195).
- المفرح: هو الذي أثقله الدين والغرم، المثقل بالحقوق المعموم، ولعل المراد به هنا: الأسير.