البحث
رسالة شفاعة بأهل مكة
رسالة شفاعة بأهل مكة
كتب الأوزاعي إلى المهدي - ابن أمير المؤمنين أبي جعفر - رسالة يشفع فيها بأهل مكة. بسبب ما حل بهم من غلاء الأسعار.
قال أبو عمرو:
أما بعد: فإن الله عز وجل جعل رسوله صلى الله عليه وسلم لمن بعده من ولاة المؤمنين إماماً وقدوة وأسوة حسنة، في رحمته بأمته، والرأفة عليهم، وخفض جناحه لهم في عفوه عنهم، قال الله عز وجل في صفة رسول الله
{بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]
فأسأل الله أن يعزم لأمير المؤمنين والأمير - المهدي - على الصبر بالتشبه بنبيه صلى الله عليه وسلم، والاعتصام بسنته، ومنافسة الأخيار أعمال البر، ويجعل ثوابهما في يوم البعث الأمنَ والإفضاء إلى رضوان الله عز وجل.
وقد أصبح الأمير، حفظه الله، من خليفة المسلمين - أبي جعفر - بحال الأمين المصدق، إن شكا لمن مسه الضر من أمته لم يتهم نصحه، ولم يُجبَهُ بردَّ قوله، وإن دافع عنهم أو طلب لهم عفواً، أخذ بقلب الخليفة توفيقه، وأحدث له بما ألقى إليه من الفضل سروراً إن شاء الله، فجعل الله الأمير لأمته أمنة ومألفاً، ورضاهم به، وأخذ بأفئدتهم إليه.
ثم إنه أتاني من رجل من مَقاَنِع (1) أهل مكة كتاب، يذكر الذي هم فيه من غلاء أسعارهم، وقلة ما بأيديهم، منذ حبس عنهم بحرهم (2) وأجدب برهم، وهلكت مواشيهم هَزلا.
فالحنطة فيهم مدان (3) بدرهم، والذرة مدان ونصف بدرهم، والزيت مد بدرهم، ثم هو يزداد كل يوم غلاء.
وإنه إن لم يأتهم الله بفرج عاجلاً، لم يصل كتابي حتى يهلك عامتهم او بعضهم جوعاً، وهم رعية أمير المؤمنين - أصلحه الله - والمسؤول عنهم.
وقد حدثني من سمع الزهري يقول: إن عمر بن الخطاب في عام الرمادة - وكانت سنة شديدة - من بعدما اجتهد في إمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف كلها، حتى بلَّحت (1) مما أجهدها، قام يدعو الله عز وجل فقال:
اللهم اجعل أرزاقهم على رؤوس الظراب (2).
فاستجاب الله عز وجل له وللمسلمين، فأغاث عباده.
فقال عمر: والله لو أن الله عز وجل لم يفرجها، ما تركت أهل بيت لهم سعة إلا أدخلت عليهم أعدادهم من الفقراء، فإنه لم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم الواحد.
فبلغنا أنه حُمل إلى عمر من مصر وحدها ألف إردب (3).
وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هل عسى أحدكم أن تبيت فصاله رواء، وجاره طاوٍ إلى جنبه)!
فإن رأى الأمير - أصلحه الله - أن يُلحَّ على أمير المؤمنين في إغاثة أهل مكة، ومن حولهم من المسلمين، بحمل الطعام والزيت إليهم، قبل أن يبتلى بهلاك أحدهم جوعاً، فعل.
وقد حدثني داود بن علي، أن عمر بن الخطاب قال: لو هلكت شاة على شاطئ الفرات ضياعاً، ظننت أن الله عز وجل سيسألني عنها.
وإنما الأمر واحد، وكلٌ من العدل في الحكم عليه يوم القيامة مشفق، إلا ان يعفو الله عز وجل ويرحم.
وهي أمتكم، وأحق من خلفتم فيها بالعفو والرأفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ألحقكم الله به مصلحين، وأوردكم عليه بإحسان، والسلام.
كتب في خمس من شهر ربيع الآخر، سنة ثنتين وخمسين ومائة (1).
المراجع
- "الجرح والتعديل" (1/ 191).
- مقانع: جمع مقنع؛ أي: رجل يرضى برأيه ويقنع به.
- البحر: الماء الكثير.
- المد: كيل يعادل من الوزن (700غ) تقريباً.
- بلَّحت: أي أعيت وأهلكت.
- الظراب: الجبال الصغار.
- مكيال مصري، وهو يعادل هذه الأيام (156) كيلو غراماً، كما قدره بعضهم