البحث
ومن ذلك: حسن إنصاته واستماعه لحديثهم
عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيداً قال يوماً وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه، وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها، فنعطيها أيها شاء، ويكف عنا؟
وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون.
فقالوا: بلى يا أبا الوليد، ثم إليه فكلمه.
فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد عمت من السطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم.
فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها؛ لعلك تقبل منها بعضها.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل يا أبا الوليد، أسمع".
قال: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً، جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون أكثرنا مالاً.
وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا، حتى لا نقطع أمراً دونك.
وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا.
وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوي منه.
حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟".
قال: نعم.
قال: "فاسمع مني".
قال: أفعل.
فقال: بسم الله الرحمن الرحيم
{حمٓ تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ}
[فصلت: 1-6]
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه.
فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما، يسمع منه.
ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد.
فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به.
فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟
قال: ورائي أني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، ويا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلو بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه؛ فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به.
قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.
قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد، ثم علقه. ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم. فقلنا: هذا الرجل الابيض المتكئ. فقال له الرجل: يا ابن عبدالمطلب. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "وقد أجبتك". فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني سائلك، فمشدد عليك في المسألة؛ فلا تجد عليَّ في نفسك. فقال: "سل عما بدا لك". فقال: أسألك بربك، ورب من قبلك: آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: "اللهم نعم". قال: أنشدك بالله: آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: "اللهم نعم". قال: أنشدك بالله: آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: "اللهم نعم". قال: أنشدك بالله: آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فتقسمها على فقرائنا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم". فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من فومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر
.