البحث
وأن حكمه بالظاهر لا يحل للمبطل أخذ حق غيره
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت
كنت جالسة عند النبي ﷺ إذ جاءه رجلان يختصمان فى مواريث فى قد درست. فقال رسول الله ﷺ:( إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء، فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار). فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي هذا الذي أطلب لصاحبي. فقال لهما النبي ﷺ:( أما إذ فعلتما ما فعلتما، فاقتسما وتوخيا الحق، ثم استهما، ثم تحالا).(وتوخيا) أي: اطلبوا الحق، والعدل في القسمة، واجعلا المتنازع فيه نصفين. (ثم استهما) أي: اقترعوا لتعيين الحصتين إن وقع التنازع بينكما؛ ليظهر أي القسمين وقع في نصيب كل منهما، ولياخذ كل واحد منكما ما تخرجه القرعة من القسمة.(ثم تحالا) أي: ليجعل كل واحد منكما صاحبه في حل من قبله بإبراء ذمته.
قال الخطابي:( فيه من الفقه: وجوب الحكم بالظاهر، وأن حكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وأنه متى أخطا في حكمه فقضى كان ذلك في الظاهر، وأما في الباطن، وفي حكم الآخرة، فإنه غير ماض).
وقال النووي:( في هذا الحديث: دلالة لمذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وجماهير علماء الإسلام، وفقهاء الأمصار من الصحابة و التابعين، فمن بعدهم: أن حكم الحاكم لا يحل الباطن، ولا يحل حراما. فإذا شهد شاهدا زور الإنسان بمال، فحكم به الحاكم؛ لم يحل للمحكوم له ذلك. ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبه، ولا أخذ الدية لامنه. ولو شهدا أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم بكذبه ما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق).