البحث
ربما عاقب العصاة بعدم الصلاة عليه بعد وفاته، ردعًا لغيره مثل فعله
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: مرض رجل، فصيح عليه، فجاء جاره إلى رسول الله ﷺ، فقال له: إنه قد مات.
قال: "وما يدريك؟".
قال: إنه صيح عليه.
قال رسول الله ﷺ: "إنه لم يمت".
فرجع فصيح عليه.
فقالت إمرأته (1): انطلق إلى رسول الله ﷺ، فأخبره.
فقال الرجل: اللهم العنه.
ثم انطلق الرجل، فرآه قد نحر نفسه بمشقص (2) معه.
فانطلق إلى النبي ﷺ، فأخبره أنه قد مات.
فقال: "وما يدريك".
قال رأيته ينحر نفسه بمشاقص معه.
قال: "أنت رأيته".
قال: نعم.
قال: "إذاً لا أصلي عليه" (3).
قال أبو عيسى الترمذي: "واختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: يصلي على كل من صلى إلى القبلة وعلى قاتل النفس، وهو الثوري وإسحق.
وقال أحمد: لا يصلي الإمام علي قاتل النفس ويصلي عليه غير الإمام" (4).
قال البيهيقي: "وقد روينا عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: أنه ﷺ إنما قال ذلك ليحذر الناس بترك الصلاة عليه، فلا يرتكبوا كما ارتكب"(5).
وقال الخطابي: "وترك الصلاة عليه معناه العقوبة له وردع لغيره عن مثل فعله" (6).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما من كان مظهرًا للفسق مع ما فيه من الإيمان كأهل الكبائر، فهولاء لا بد أن يصلي عليهم بعض المسلمين.
ومن امتنع من الصلاة على أحدهم زجرًا لأمثاله مثل ما فعله، كما امتنع النبي ﷺ عن الصلاة على قاثل نفسه، وعلى الغال، وعلى المدين الذي لا وفاء له، وكما كان كثير من السلف يمتنعون من الصلاة عن أهل البدع - كان عمله بهذه السنة حسنًـا" (7).
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رجلاً من أصحاب النبي ﷺ توفى يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ.
فقال رسول الله ﷺ: "صلوا علي صاحبكم".
فتغيرت وجوه الناس لذلك.
فقال: "إن صاحبكم غل في سبيل الله".
فتشنا متاعه، فوجدنا خرزًا من خرز يهود لا يساوي درهمين (8).
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ إذا دعي لجنازة سأل عنها.
فإن أثني عليها خير قام فصلى عليها.
وإن أثني عليها غير ذلك، قال لأهلها: "شأنكم بها"، ولم يصل عليها (9).
قال ابن حبان: "ترك المصطفى ﷺ الصلاة علي من وصفنا نعته كان ذلك عن قصد التأديب منه ﷺ لأمته؛ كيلا يرتكبوا مثل ذلك الفعل، لا أن الصلاة غير جائزة على من أتى مثل ما أتى من لم يصل عليه ﷺ" (10).
المراجع
1. أي زوجة المريض لجاره.
2. نصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض.
3. رواه أبو داود [3185]، وصححه الألباني في أحكام الجنائز [ص84]، ورواه مسلم [978] والترمذي [1068] مختصرًا.
4. سنن الترمذي [372/2].
5. السنن الكبرى [19/4].
6. عون المعبود [328/8].
7. مجموع الفتاوى [286/24].
8. رواه أبو داود [2710]، والنسائي [1959]، وابن ماجه [2848]، وصححه الحاكم [2582] على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وضعفه الألباني في الإرواء [726].
9. رواه أحمد [22049]، وصححه الألباني في التعليقات الحسان [3046].
10. صحيح ابن حبان [64/5].