1. المقالات
  2. تدبر حديثًا
  3. الحديث السابع: (ذهب أهل الدثور بالأجور)

الحديث السابع: (ذهب أهل الدثور بالأجور)

تحت قسم : تدبر حديثًا
2486 2020/03/23 2020/03/23
المقال مترجم الى : English
الحديث السابع: (ذهب أهل الدثور بالأجور)

روى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ:" أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»  

المعاني:

أَهْلُ الدُّثُورِ: أصحاب الأموال الكثيرة.

فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ: أموالهم التي تزيد على حاجتهم.

تَهْلِيلَةٍ: قول لا إله إلا الله.

بُضْعِ أَحَدِكُمْ: الجماع أو هو الفرج نفسه.

الفوائد ( 32 فائدة)

فوائد في معنى الصدقة: 

  1. اتساع معنى الصدقة عن كونها الإنفاق المالي، فحسب بل لها أوجه عديدة كذكر الله عز وجل وركعتي الضحى وغيرها من الأعمال والسلوك والتروك أيضا كما في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله والجهاد في سبيله» قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا» قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعا أو تصنع لأخرق» قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك».
  2. تتجلى رحمة الله بأن جعل كل مسلم لديه ما يتصدق به غني أم فقير.
  3. يتصدق المسلم بما زاد عن حاجته وحاجة من يعول من زوجة وأولاد، فلا يتصدق بما يحتاجونه ثم يتركهم عالة يتكففون الناس.
  4. الصدقة من أوسع أبواب الطاعات وتتفاضل تبعا لمعايير عدة، أحاول أن أذكر بعضها:
  • خير الصدقة مما تحب، قال تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".
  • خير الصدقة مما تشح به النفس وأنت صحيح قوي، فقد سئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أفضلِ الصدقةِ فقال أن تصَّدقَ وأنت صحيحٌ شحيحٌ تخشى الفقرَ وتأملُ الغني.
  • خير الصدقة مما بقي عندك منه بعد الصدقة بقية تغنيك، قال صلى الله عليه وسلم: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى"
  • خير الصدقة ما كانت تملك منه شيئا قليلا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قيلَ فأيُّ الصَّدقةِ أفضلُ قالَ جُهدُ المقلِّ"
  • خير الصدقة ما امتد نفعه لما بعد الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ماتَ الرجلُ انقطعَ عملُهُ إلّا من ثلاثٍ ولدٍ صالحٍ يدعو لَهُ، أو صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ يُنتَفعُ بِهِ".
  • خير الصدقة ما كان نفعه متعديا للغير (وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة) .

فلو كنت تحب المال أو الراحة أو العلم  أو الطعام  أو وقتك القليل أو أي نوع من الممتلكات المادية أو المعنوية، فإنفاقك من النوع الذي تحبه وتشح نفسك به ويبقى عندك منه بقية وإن كانت قليلة، يجعله من أفضل الصدقات التي توصلك إلى تحقيق مرتبة البر إن شاء الله.

وعليه، فلا يمكن أن نقول أن نوعا ما دون آخر هو أفضل الصدقات بالمطلق، فقد تسبق كلمة في العلم والنصح آلاف الأموال، وقد تسبق مساعدة لإنسان متعب في تجاوز الطريق محاضرات علمية وسلاسل الشروح، وقد تسبق لحظة ملاطفة ولعب مع طفل في وقتك الضيق ونفسك غير المؤهلة جهاد مجاهد أو إنفاق منفق.

والأمور على ما عند الله لا على ما عند الناس، والله أعلم.

الفوائد العامة: 

1. فضل التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل.. وهن الباقيات الصالحات كما جاء في الحديث.
2. التنافس على غنائم الآخرة رغم الفقر. 
3. المسلم أياً كان حاله في هذه الحياة الدنيا، في سعة وغنى أم في ضيق وفقر ومهما وقع عليه من الهموم والابتلاءات، فلابد أن يضع الآخرة نصب عينيه، ويعلم أن وجوده في دار الاختبار هو وجود مؤقت مهما طال به العمر.
4. المسلم ينبغي عليه ألا يشغل نفسه بالتفاصيل التي لا تفيد، ولا يسأل عن أمور لا ينبني عليها شيئ في أمر دينه ودنياه، فأبو ذر ذكر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا، ولم يهتم بنقل أسماءهم لراوي الحديث.
5. في قوله صلى الله عليه وسلم (في بُضع أحدكم صدقة) توجيه عام للأمة بأسرها سواء الموسر والفقير والمعدم منهم باستحباب الزواج، فمن كان تزوج فليستحضر النية، ومن لم يتزوج فليسع لتحصيل أسباب الزواج ليدرك الثواب.
6. كل عضو من أعضاء الإنسان يضعه في حله ويستخدمه في الحلال فله بذلك أجر، لأن القاعدة النبوية تقول:(أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ ؛ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) .
7. الثواب على الأمر المباح وإن لم تنعقد له نية التعبد بالأمر ذاته، ويكفيه نية الخير العام والمتابعة لأمر الشارع بلزوم الحلال. 
8. الحرص على أن تكون النية صالحة حتى في فعل المباحات وجميع الأعمال اليومية.
9. عدل الله عز وجل مع عباده، فلو أنه قضى شهوته بالحرام وفي غير السبيل الذي شرعه الله كان عليه وزر، ولو قضاها بالحلال وبما شرعه له كان له أجر. 
10. شمولية معنى العبادة لكل ما يقع من العبد من قول أو فعل مما يحبه الله ويرضاه من عبده، حتى لو كان قضاء الشهوة في الحلال بما يُعفُّ نفسه وزوجه.
11. اطمئنان نفوس الصحابة الفقراء وسلامة صدورهم تجاه إخوانهم الأغنياء وعلمهم أن الآخرة هي ميدان التنافس الحقيقي.
12. مشروعية جمع المال ولو كان فاضلا عن الحاجة.
13. نفي النظرة الكنسية الدونية للجنس، حيث ذكر الجنس هنا في مصاف الأعمال الصالحة كالذكر والصدقة والصلاة، وهذه النظرة الطهورية الإنسانية الواقعية تساعد الإنسان على قبول احتياجاته، فلا يصارع الإنسان طبيعته ولا يستحي منها وهذا الشعور نفسه يساعد على إرواء الغريزة مع الشعور بالعزة والكرامة. 
14. العرض المبسط لمعالم حُسن الشريعة وتقريبها من الأذهان في أيسر لفظ.
15. كثرة طرق الخير التي يتقرب بها العبد إلى مولاه، فإن عجز عن طريق سهَّل الله له طريقاّ آخر.
16. التأدب بعدم ذكر الألفاظ الصريحة فيما يخص العلاقة الزوجية (وفي بُضع) أو ما يخص أمر العورات، فالمؤمن الأصل فيه أن يبتعد عن الفحش من القول إلا إذا دعت المصلحة خلاف ذلك.
17. شمول شريعة الإسلام لجميع مناحي الحياة، فأرشدت الخلق إلى ما ينفعهم في كل شيئ، حتى في أدق وأخص الأمور كالعلاقة الزوجية وقضاء الحاجة وغيرها.
18. فضل الغني الشاكر.
19. عمل الصالحات أمر يسير لا يحتاج لكثير مشقة.
20. تيسير الوصول إلى الجنة بتعدد الطرق الموصلة إليها، حسب استطاعة كل إنسان.
21. جبر خاطر من لا يقدر على الصدقة المالية والتطييب النبوي لقلبه.
22. تقرير وتطبيق عملي لمعنى الغبطة، والتي لا تكون إلا في اثنتين، المال أو العلم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا حسدَ إلاَّ في اثنتَينِ: رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فهو يقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، ورجلٌ آتاهُ اللهُ مالاً فهو يُنْفِقُهُ آناءَ الليلِ والنهارِ".

الفوائد الأصولية: 

  1. دليل على إثبات القياس كدليل من الأدلة الشرعية.
  2. مشروعية تعليل الأحكام الشرعية والبحث فيها وهو مدخل لعلم المقاصد.

الفوائد التعليمية: 

  1. فتح الباب للمناقشة وعدم قمع الطالب عند السؤال وإن كان السؤال غريبا.
  2. إثارة ذهن المستمع بالأسئلة وإعانته على الإجابة وإرشاده إلى القياس على خبراته السابقة.

الفوائد اللغوية: 

  1. بِضع بالكسر، مختص بالعدد، قال تعالى: (في بِضع سنين)، وبُضع بالضم الجماع أو هو الفرج نفسه وهي ما وردت في حديثنا، وبَضع بالفتح هو فعل القَطع واسم القطعة المقطوعة بَضعة، وهي في قوله صلى الله عليه وسلم: "فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فمَن أغْضَبَها أغْضَبَنِي".
  2. دخول همزة الاستفهام على الجملة المنفية بـ (ليس) يفيد تقرير وتوكيد ما يأتي بعد النفي.

 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day