البحث
وكان يبين لهم أن مال الإنسان الحقيقي هو ما قدمه في سبيل الله، وأن ما تركوه هو الفاني
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟". قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه. قال: "فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر".
"فإن ماله ما قدم" أي: قدمه قبل موته بأن صرفه في حياته في مصارف الخير.
"ومال وارثه ما أخر" أي: ما أخره من المال الذي يتركه، ولا يتصدق منه حتى يموت.
قال ابن بطال: "فيه: التحريض على تقديم ما يمكن تقديمه من المال في وجوه القربة والبر؛ لينتفع به الآحرة، فإن كل شيء يخلفه المورث يصير ملكاً للوارث، فإن عمل فيه بطاعة الله اختص بثواب ذلك، وكان ذلك الذي تعب في جمعه ومنعه، وإن عمل فيه بمعصية الله فذاك أبعد لمالكه الأول من الانتفاع به إن سلم من تبعته.
فإن قيل: هذا الحديث يدل على أن إنفاق المال في وجوه البر أفضل من تركه لوارثه، وهذا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم لسعد: "إنك أن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس".
قيل: لا تعارض بينهما، وإنما حض النبي صلى الله عليه وسلم سعداً على أن يترك مالاً لورثته؛ لأن سعداً أراد أن يتصدق بماله كله في مرضه، فأمره صلى الله عليه وسلم بأن يتصدق منه يثلثه، ويكون باقيه لورثته.
وحديث ابن مسعود إنما خاطب به صلى الله عليه وسلم أصحابه في صحتهم، ونبه به من شح على ماله، ولم تسمح نفسه بإنفاقه في وجوه البر أن ينفق منه في ذلك؛ لئلا يحصل وارثه عليه كاملاً موفراً، ويخيب هو من أجره، وليس فيه الأمر بصدقة المال كله؛ حتى يكون معارضاً لحديث سعد.
فحديث سعد محمول على من تصدق بماله كله، أو معظمه في مرضه، وحديث ابن مسعود في حق من يتصدق في صحته وشحه.
عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال:
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ {أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1]، قال: "يقول ابن آدم: مالي مالي". قال: "وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، وأو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟".
ونحوه من حديث أبي هريرة وزاد: "وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس".
قال الشاعر:
يا كانز الأموال سوف يحوزها زوج البنات وزوجة الأبناء
ولسوف تترك في المقابر مفردا من غير ما أهل ولا أحماء
فاجعل لنفسك من كنوزك حصة في ساحة الأيتام والفقراء