البحث
وفاة عبد الله بن أبى سلول
ولما رجع النبى ﷺ من غزوة تبوك توفى ابن سلول (1) ، فصلى عليه الرسول ﷺ ، وكفنه بقميصه ، هذا مع أذيته لرسول الله ﷺ وللمؤمنين .
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال :
جاء عبد الله بن عبد الله بن أبى إلى النبي ﷺ حين مات أبوه ‘ فقال : أعطنى قميصك أكفنه فيه ، وصل عليه ، واستغفر له . فأعطاه قميصه وقال : " إذا فرغتم فآذونونى ". فلما أكثرت عليه قال : " إنى خيرت ، فاخترت ، ولو أعلم أنى إذا زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها " . قال : فصلى عليه رسول الله ﷺ ثم انصرف .
فلم يمكث إلا يسيراً
حتى نزلت الآيتان من براءة :
وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ
[ التوبة : 84 ].
قال : فعجبت بعد من جرأتى على رسول الله ﷺ يومئذ ، والله ورسوله أعلم (2) .
قال بن حجز : " وإنما لم يأخذ النبى ﷺ بقول عمر وصلى عليه إجراء له على ظاهر حكم الإسلام ، واستصحاباً لظاهر الحكم ، ولما فيه من أكرام ولده الذى تحققت صلاحيته، ومصلحة الستئلاف لقومه ، ودفع المفسدة " (3) .
وقال الخطابى : " إنما فعل النبى ﷺ مع عبد الله بن أبى ما فعل ، لكما لشفقته على من تعلق بطرف من الدين ، ولتطيب قلب ولده عبد الله الرجل الصالح ، ولتألف قومه من الخزرج لرياسته فيهم ، فلو لم يجب سؤال ابنه وترك الصلاة عليه قبل ورود النهى الصريح ، لكان سبة على ابنه ، وعاراً على قومه ، فاستعمل أحسن الأمرين فى السياسة إلى أن نهى فانتهى " (4).
وقيل : إنما أعطاه قميصه مكافأة لعبد الله المنافق الميت ، لأنه كان ألبس العباس حين أسر يوم بدر قميصاً . قال سفيان بن عيينة : " فيرون أن النبى ﷺ ألبس عبد الله قميصة مكافأه لم اصنع " (5).
وقال النووى رحمه الله : " وفى هذا الحديث : بيان عظيم مكارم أخلاق النبى ﷺ ، فقد علم ما كان من هذا المنافق من الإيذاء ، وقابله بالحسنى ، فألبسه قميصاً كفناً ، وصلى عليه ، واستغفر له
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ
[ القلم : 4 ] . (6)
وقال شيخ الإسلام : " من كان مظهراً للإسلام فإنه تجرى عليه أحكام الإسلام الظاهرة : من المناكحة والموارثة ، ونحو ذلك ، لكن من علم منه النفاق والزندقة ، فإنه لا يجوز لمن علم ذلك منه الصلاة عليه وإن كان مظهراً الإسلام ، فإن الله نهى نبيه عن الصلاة على المنافقين . وأما من شك فى حاله ، فتجوز الصلاة عليه إذا كان ظاهرة الإسلام (7).
المراجع
- وقد مات بعد منصرفهم من تبوك وذلك فى ذى القعدة سنه تسع .
- رواه البخارى [١٢٦٩] ومسلم [ ٢٧٧٤ ] .
- فتح البارى [ ٣٣٦/٨ ] .
- فتح البارى [ ٣٣٦/٨ ] .
- رواه البخارى [١٣٥٠ ] .
- شرح النووى على صحيح مسلم [١٦٧/١٥].
- الفتاوى الكبرى [٣/ ١٧-١٩].