البحث
ومن الأمور التي ظهرت من المنافقين فى هذه الغزوة : الاستهزاء بالؤمنين
ولقد قابل النبي ﷺ هذا الاستهزاء بشدة وحزم :
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال :
قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوماً: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء، لا أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسنة ، ولا أجبن عند اللقاء(1) . فقال رجل فى المجلس: كذبت ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله ﷺ . فبلغ ذلك النبى ﷺ ، ونزل القرآن . قال عبد الله : فأنا رأيته متعلقاً بحقب(2) ناقة رسول الله ﷺ تنكبه الحجارة وهو يقول : يارسول الله : " إنما كنا نخوض ونلعب " (3) .
ورسول الله ﷺ ، يقول :
أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ
[ التوبة : 65 ](4) .
يقول الله تعالى فى كتابه الكريم :
وَلَئِن سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ[65] لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ
[ التوبة : 65 -66].
فالاستهزاء بدين الله من علامات المنافقين .
والاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين ، لأن أصل الدين مبنى على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسوله ، والاستهزاء بشىء من ذلك مناف لهذا الأصل ، ومناقض له أشد المناقضة.
ولهذا لما جاءوا إلى رسول الله ﷺ يعتذرون بهذه المقالة ، كان رسول الله ﷺ لا يزيدهم على
قوله :
أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ[65] لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ [ التوبة : 65 -66].
[ التوبة : 65 -66].
وقد يقول قائل : الذى فى القصة ليس استهزاء بالدين مباشرة ، وإنما هو استهزاء بأشخاص .
فنقول : إنه ليس استهزاء بهم لأجل أشخاصهم ، أو قبائلهم ، وإنما هو استهزاء بهم لأجل دينهم ، بدليل قولهم : ( ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ) .
وقد سميت سورة التوبة بالفاضحة ، لأنها فضحت المنافقين ، وكشفت أسرارهم ، وبينت مخططتهم ، وأهدافهم ، وكلامهم ، وطرقهم فى العمل لهدم المجتمع المسلم .
عن سعيد بن جبير قال :
قلت لابن عباس : سورة التوبة . قال: " التوبة هى الفاضحة ما زالت تنزل : ( ومنهم ) ، ( ومنهم ) حتى ظنوا أنها لن تبقي أحداً منهم إلا ذكر فيها " (5).
المراجع
- أرغب بطونا : يعنى : أنهم واسعو البطون من كثرة الأكل ، وليس لهم هم إلا الأكل . ولا أكذب ألسنة ، يعنى : أنهم يتكلمون بالكذب ، ولا أجبن عند اللقاء ، أى : أنهم يخافون لقاء العدو ، ولا يثبتون بل يفرون ويهربون ، وهذة الصفات تنطبق على المنافقين تماماً لا على المؤمنين . شرح رياض الصالحين [١٠١/٢] لابن عثيمين
- الحقب : حبل يشد به الرحل فى بطن البعير مما يلى ذيله .
- وفى رواية : حديث الركب نقطع به عناء الطريق .
- رواه الطبرى فى تفسيره [ ١٦٩١٢ ] ، وقال العلامة أحمد شاكر : إسناده صحيح .
- رواه البخارى [ ٤٨٨٢] .